
نفح كأس العلا للهجن 2024 يكرم عتيق الحواس
بحسِيس كِسرة البخور ولياقة ركايب الإبل يشهد كأس العلا للهجن 2024 فيضٌ من دلالات الجسارة والسلوان في تراثنا..
يروي كأس العلا للهجن 2024 الرابط الوثيق بين الهِجن والهجّانة في تناغم تتحد فيه مفاهيم النيّة والأداء؛ ذلك بنغمٍ خفي كما يفعل اللهب بطيب العود، فمن أبعد ما يمكن أن يمتد له النظر؛ يأتي صدح جَهور يتأهب له الجمع بكل ما قد يحمله من احتمالات.. ذلك أثناء إقامة الهيئة الملكية لمحافظة العُلا للنسخة الثانية من كأس العلا للهجن 2024 بداخل الواحة القديمة – من 24 وحتى 27 أبريل 2024 – بالتعاون مع الاتحاد السعودي للهجن، في تكامل يدمج أصيل التراث بمتطلبات الرياضة وذائقة الفنون.
حظيت سباقات الهجن بفائق الاهتمام على مدى التاريخ باعتبارها تراثًا عريقًا يربط الماضي بالحاضر، بحيث كان الملك فيصل بن عبدالعزيز أول من نادى عام 1974م لتأسيس مؤسسة سباق الهجن الملكي، وعقد أول سباق للهجن عام 1974م – وفقًا لـ الدليل المعرفي التاريخي للإبل من وزارة الثقافة.
يكرم كأس العلا للهجن 2024 ذلك الإرث العتيق ويتيح الفرصة أمام مرتاديه في عصرنا الحاضر للتعرّف على ثقافة المملكة في أجواء تعبق بالطيب، بحيث تمتاز تلك النسخة من الكأس بتزامنها مع انتقاء وزارة الثقافة للعام 2024 عامًا للإبل، ذلك تلو النجاح الذي حققته النسخة الافتتاحية للكأس في العام 2023 حيث استقطبت 2550 من زوارها المغمورين.
تضم منافسات العام 2024 لـ كأس العلا للهجن – 16 شوطًا، بحيث يتضمن اليوم الافتتاحي 6 أشواط مخصّصة لسباق الهجّانة (رجال 5 كم – ونساء 2 كم)، ويشهد اليوم الثاني إقامة 4 أشواط لفئات (حقايق 4 كم – ولقايا 5 كم) شوطين لكل فئة، وتستكمل المنافسات في اليوم الثالث من خلال 4 أشواط لفئات (جذاع 6 كم – وثنايا 8 كم) شوطين لكل فئة، على أن تختتم المنافسات في رابع الأيام بشوطي (حيل وزمول 8 كم).
يولي الحدث في لبّ رؤيته الرعاية لشأن توثيق الرياضات التراثية؛ حيث يؤكد على ذلك الرئيس التنفيذي لقطاع الرياضة في الهيئة الملكية لمحافظة العلا – زياد السحيباني: “ارتباط العلا برياضات التراث والموروث يعود إلى آلاف السنين؛ في جبال العلا نقوش تدل على أن ممارسة الفروسية وممارسة ركوب الإبل ورياضات الهجن وأيضًا الصقور وغيرها من الرياضات التي لها علاقة بالتاريخ والتراث. نحن في محافظة العلا من خلال دعم الهيئة الملكية لمحافظة العلا نركز على تفعيلها بشكل كبير بأن نكون نقطة لالتقاء الرياضة مع أرض التراث التي تمتاز بها محافظة العلا. وقريبًا -إن شاء الله- السهام والمبارزة وغيرها من الرياضات التي لها ارتباط بتاريخ العلا العريق”.
يتّفق مدير المركز الإعلامي لكأس العلا للهجن – مازن العسرج؛ بكون تعاون الهيئة الملكية لمحافظة العلا والاتحاد السعودي للهجن هادف في مغزاهـ إلى تمكين الرياضات التراثية: “نحن حريصون في الاتحاد السعودي للهجن أن نتواجد ونعقد عدة شراكات مع كافة الجهات في السعودية؛ اليوم الهيئة الملكية واحدة من القطاعات المهمة الحريصين للتواجد معها من خلال بطولة كأس العلا التي تقام بالنسخة الثانية على التوالي بمجموع جوائز يبلغ 80 مليون ريال سعودي، لدينا عدة شراكات جديدة ستكون مفاجئة لأهل الهجن والوسط الإعلامي مع قطاعات جديدة وحيوية في البلد في مناطق جديدة”.
يمتلك الاتحاد السعودي للهجن حتى اليوم 49 ميدانًا على مستوى مناطق ومحافظات المملكة “لذلك نعتبر الهيئة الملكية واحدة من أهم الشركاء والداعمين لقطاعاتنا التي تحرص على دعم نشر هذا الموروث العريق في كافة أوساط المملكة، نتطلع من خلال هذه الشراكة أن نحقق نجاحات أكبر في النسخة الثالثة من البطولة خاصة بعد النجاح الكبير الذي تحقق في النسخة الثانية”.
مـضـمار وهـجّانـه ونــومـاس
وطـيــب وحـليــب نـــوق ???| في #كأس_العلا_للهجن #عام_الإبل_2024 @RCU_SA | @AlUlaMoments pic.twitter.com/PrzcnLObB8
— Noug | نوق (@NougSaudi) April 29, 2024
أبعاد موروث الهجن
تسرد بطولة كأس العلا للهجن 2024 ممارسة تعود إلى القرن السابع الميلادي؛ إذ تحتضن عدد من الأحداث الموازية بتناغم مع محيط العُلا وأبعاد بيئتها الممتدة، بحيث يمتاز الحدث بتلاقٍ فعّال بين عدد من القطاعات الثقافية؛ ابتداءً من انتقاء الرعاة الملائمين وحتى أدقّ اعتبارات أجندة القرية التراثية، فعلى سبيل المثال: استحداث “نوق” أحد رعاة المهرجان؛ لمنتج حليب إبل طازج بنكهة العود. وتقديم “أنفاسك دخون” لورش تفاعلية بشأن تاريخ البخور وأساليب تكوينها. بينما في بعد آخر تحتوي قاعة مرايا على المعرض الفني “رمي عيني” حيث يحتضن لوحة محورها الناقة؛ من عمل عبدالحليم رضوي (بدون عنوان، 1978) بحيث يقدم الفنان عبر منظومته الفنية مفهوم التعايش من خلال ذاكرة المكان وارتباطه بمكة المكرمة. كما يتطلّع محبّي العلا إلى افتتاح متحف طريق البخور من عمل المهندس المعماري أسيف خان؛ بتصميم يتناغم مع بهاء واحات العلا الخضراء – بلا أسوار.
وفقًا لكتاب “العُلا” لـ محمد بابللي؛ تعتبر البخور السلعة الأهم في تاريخ التجارة التي عبرت منطقة العلا، حيث بدأت حركة التجارة بين جنوب وشمال شبه الجزيرة العربية في الألفية الثانية قبل الميلاد، إلا أنها لم يتسع نطاقها حتى أصبح الجمل وسيلة لنقل البضائع عبر الصحراء – في القرن الثامن قبل الميلاد “إن قصة الممالك القديمة في شمال غرب شبه الجزيرة العربية هي قصة الإنسان والجمل” إذ ساندت قوافل الجمال العرب أثناء نقل السلع الثمينة عبر شبه الجزيرة العربية كـ البخور والمُرّ.. التي وصلت بالقوارب إلى موانئ البحر الأحمر؛ حيث اصطلح على تسمية تلك الشبكة التي انطلقت من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى شمالها بـ “طريق البخور”.
من ذلك المنطلق؛ يشاركنا نائب الرئيس لقطاع إدارة الوجهات السياحية والتسويق في الهيئة الملكية لمحافظة العلا – رامي المعلم؛ بالنظر إلى الرابط الخفي بين البعد الثقافي للبخور وحدث كأس العلا للهجن 2024 “البخور كانت في العلا من آلاف السنين؛ وهناك طريق يسمى بذلك رغم أن العلا لم تكن منطقة لإنتاج البخور لكن وقوعها على طريق التقاء قوافل السفر عبر الأزمان والتاريخ جعلها محطة تجارية كذلك، واشتهرت بمواد كثيرة كانت تنتعش فيها التجارة في ذلك التاريخ وتزدهر تجارتها هنا؛ ومنها البخور القادم من جنوب الجزيرة العربية أو الهند عبر القوافل وعبر طريق الحرير إلى العلا، ويتفرق منها إلى الشام ومصر وكذلك إلى أوروبا، فكانت العلا ملتقى القوافل إما من الجِمال أو الخيل. فأعتقد بأن الارتباط هنا ارتباط عريق وكبير جدًا ما بين البخور وما بين الهجن، فقد كانت الجمال والهجن هي وسيلة السفر وقافلة الصحراء في التاريخ القديم للإتجار والازدهار. أعتقد بأن الاحتفاء هنا في عام الإبل بـ كأس العلا للهجن 2024 هو المناسبة التي أعطتنا هذا البعد في ازدهار التجارة من خلال طرق السفر في الجزيرة العربية”.
وبينما نشيد بتواجد البخور ضمن أحداث القرية التراثية بغزارة محبّبة؛ يؤكد المعلم “صحيح، القرية تحتوي الكثير من التجارب التفاعلية والبخور من ضمنها؛ لكن التركيز على جائزة العلا للتصميم في تصميم أجمل غطاء للهجن”.
وبالعودة إلى مدير المركز الإعلامي لكأس العلا للهجن – مازن العسرج؛ بشأن التقاطع بين موروث رياضة الهجن وطيب البخور (ما الرابط برأيكم؟) يجيبنا “دائمًا تهدف الشراكات بين القطاعات إلى تقديم ما يملكه كل قطاع؛ اليوم نحن في الهجن نقدم موروث وننشر رياضة لها تاريخ عريق وننشرها بين أوساط الشباب بشكل كبير، والهيئة الملكية تحاول إبراز هذا القطاع المهم من ناحية تاريخ البلد وقديمًا مرور الحجاج القادمين إلى مكة بالبخور، اليوم تقدّم العلا ثقافتها من خلال هذا المهرجان ونحن نقدم الثقافة الرياضية؛ وبالتالي هذا السباق ينشر رياضة تاريخية ويعيد أمجادها للواجهة والعلا تساهم في نشر ثقافة هذا القطاع من خلال البخور والتراث، لذلك حاولنا أن نمكن هذه العلاقة من خلال البرنامج الذي قدمناه بصحبة السباق.. لأن هدفنا الرئيسي عند التواجد في منطقة يجب أن نساهم في نشر ثقافة البلد، وهذا دور كبير وضعناه على عاتقنا – كما عملنا في الطائف حيث صممنا استوديو محاكي لقصر شبرا وفي نجران استوديو محاكي لأحد المعالم التاريخية لنجران والعلا كذلك – وهذا ديدن وضعناه في الاتحاد السعودي؛ يجب أن نقدم استوديوهات تحاكي المكان بالتصاميم والهوية البصرية لكل منطقة بدقّة لنشر ثقافة أي مدينة ننظم فيها السباق، دورنا لا يقتصر على تنظيم بطولة فدورنا أعمق من أن ننشر رياضة”.
نغم الهجن حول العالم
تعبق منجزات موروث الإبل على المستوى الدولي، إذ تم إدراج الترنيمات التي ينشدها الرعاة للإبل فتجتمع أو تسلك اتجاهًا محددًا في السير – والمعروفة بـ حداء الإبل أو “الهُوبَال” – ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي 2023؛ ما يسلط الضوء على وسيلة التواصل بين الإبل وراعيها. وقد نال الفيلم السعودي “هجان” من إنتاج “إثراء” استحسان النقّاد منذ عرضه الأول في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي – سبتمبر 2023. كما تجوب الإبل السعودية شوارع العاصمة باريس مؤخّرًا في مسيرة فخر واعتزاز؛ ذلك لتعريف المجتمع الدولي بمبادرة عام الإبل 2024 واحتفاءً بقرار الأمم المتحدة بتخصيص 2024 السنة الدولية للإبليات.
في الختام نبارك ونفخر ببطلة المركز الأول بأشواط الهجانة (فئة السيدات) ضمن كأس العلا للهجن 2024 – الهجانة السعودية ريما الحربي، ذلك بتحليل شأن البدايات وكيف توصّلت رحلة البطلة إلى مستوى اليوم “الله يبارك فيك، أنا منذ الطفولة من عمر 7 سنين مع الهجن بمعنى هجانة ركوب وحب واهتمام فيها كبير صراحةً، هي كانت حب ووراثة وصارت الآن تمثيل وطن وممارسة ومنافسة” تصحبنا الهجانة ريما نحو الخطوة القادمة “انتهينا الحمد لله من الأصعب في العلا بتحقيقي المركز الأول على 11 دولة، تبقى كأس العرب المتاح لدول الخليج ودول العرب بمسمى (كأس العرب) وهو إن شاء الله أسهل لي من اللي حققته”.
يجمع ريما رابط وثيق برفيقتها من الهجن؛ من ذلك المنطلق نتساءل بشأن وصف يفي شخص الهجن حقّها، لتجيبنا البطلة بغاية الشغف “شخصيتها ذكية جدًا ذكية ولطيفة مع البشر وتحس! كائن بيني وبينه علاقة صداقة بمعنى يفهمني من الصوت وجدًّا لطيف؛ عطايا الله هذه.. وعام الإبل أيضًا زاد حبنا للإبل وحبينا ننجز ونبرز إنجازاتهم في عامهم” امتدادً لذلك الإدراك توثّق ريما تجربتها من خلال منصات التواصل الاجتماعي “ناس كثير حبت الهجن مني وصاروا يتحمسون بعد شوف يومياتي وعلاقتي مع الهجن وعلاقتي مع الإبل وكيف أنافس وأشارك طبعًا بدعم دولتنا لهذه الرياضة؛ وأكبر دليل عام الإبل”.
تستودعنا ريما بتأمّل العلاقة بين ثقافة البخور والإبل “العود أصيل والهجن أصيلة؛ تربطهم علاقة في نخبة النخبة، يرتبط العود بالناس المحبة للتميز والظهور بأفضل صورة وأيضًا انتشار رائحة العود نفس رياضة الهجن تنتشر عالميًا، بينهم علاقة كأصالة وكجزء وثقافة مننا.. البخور والعود خصوصًا والإبل”.
الصورة الرئيسية / بإذن من الهيئة الملكية لمحافظة العُلا
اقرؤوا أيضًا: