دليل الفنون: تبني السراب ومياه الخيال!
الجناح السعودي “مدرسة أم سليم: نحو مفهوم معماري مترابط” الدورة 19 من بينالي البندقية الدولي للعمارة الموسوم بعنوان “ذكاء. طبيعي. اصطناعي. جماعي.” - تصوير نوره الداعج.
Posted inالثقافة

دليل الفنون: تبني السراب ومياه الخيال!

تتدفق فنون العمارة والتصميم بـ “مياه صالحة” حتى ينعم من ريها “مغرس: مزرعة تجريبية” ويزهر مرويّها تجاه “مدرسة أم سليم: نحو مفهوم معماري مترابط”!

ترتوي بذور الجزيرة العربية من ميل آدابها نحو اعتبار “الصمت حكمة” بكل ما يتيحه ذلك من كثافة مجالات التفكّر في محيطنا؛ بتدفّق يعي حسن الاستماع وطيب يمتد لعمق المسمع. بالتالي احتواءها مساحة هائلة لافتراض الإمكانات وتكوينها – وصولًا لمروية منبعها الإجماع في التفسير!.

تشير نحو سعة ذلك المجال رئيسة هيئة فنون العمارة والتصميم الدكتورة سمية السليمان “عند التعامل بحساسية مع المعطيات مهما كانت غير مكتملة؛ نجد منهجية تصميمية نتعلم منها، تجربة بينالي البندقية مبنية على الحقائق وفي جوانب يمكن تسميتها خيال ومجموعة قصص يرويها كلٌّ من زاويته، فكيف نجد الطريق ما بين هذه السرديات ونصل إلى أقرب ما يمكن للمستهدفات من المشاريع؟”.

أعتقد موضوع الخيال أساسي ومهم دائمًا، لأننا ننظر للتصميم والعمارة أنك تضع مشروع في مكان خالٍ؛ لكن الهدف أخيرًا ليس المبنى بقدر قدرتنا على تخيل تأثيرههل يجمع الناس؟ هل هو مكان للإبداع؟ ما رؤيته؟”.

الجناح السعودي “مدرسة أم سليم: نحو مفهوم معماري مترابط” الدورة 19 من بينالي البندقية الدولي للعمارة الموسوم بعنوان “ذكاء. طبيعي. اصطناعي. جماعي.” – بإذن من هيئة فنون العمارة والتصميم.

من منطلق اعتماد الطريقة المميزة للفرد السعودي في التنزه؛ صُمم “الدليل البري المصور لمنطقة الرياض” الصادر عام 1419هـ – بصياغة محمد آل الشيخ وعبدالله الحقباني. وقد جُمعت بيانات الدليل عبر زيارات خاصة للمواقع وتسجيل ملاحظاتهما عليها ورسم مخططات توضيحية لطرقها، ثم الرجوع إلى الخرائط الرسمية لمعرفة أسماء الأماكن وسؤال أهل البلد بشأنها.

وأثناء العام 2025 نشرت هيئة التراث مقالًا علميًّا بشأن الحقب الرطبة المتكررة في شبه الجزيرة العربية خلال الـ 8 ملايين سنة الماضية – لتوثيق التاريخ الطبيعي والبيئي للمنطقة. تكشف الدراسة سجلًّا دقيقًا للمناخ على أرض المملكة، يُشير إلى تعاقب مراحل رطبة أدت إلى جعلها بيئة خصبة وصالحة للحياة، بحيث كانت صحراء المملكة حلقة وصل طبيعية للهجرات الحيوانية والبشرية بين القارات.

فمن منظور “الواحات ركيزة للحضارات: استمرارية التراث والهوية” – يعود ملتقى الدرعية الدولي 2025 – واعدًا مرتاديه بأجندة تعمل على تحليل تلك الإمكانات. عبر تناول الواحات بين التوازن البيئي والأنظمة الطبيعية، والبحث في تراثها المعماري والري، والحوار بشأنها في الذاكرة الثقافية والتعبيرات الأدبية.

بالتالي تتحقق ملامح جزيرة العرب مروجًا وأنهارً ضمن مشروع الجزيرة العربية الخضراء من منطق ترجمة النوايا على مستوى التصميم، مثلما تشيد سمية السليمان بتلاقيات أعمال مدرسة أم سليم “أعتقد قامت بتجربة جميلة من ناحية كيف يمكن للسرد والصورة والتجربة والمراقبة والملاحظة أن تجتمع في طبقات بحثية تتراكم – بحيث تكون محددة للقرارات التصميمية اللاحقة”.

غالبًا نجد أن المعماريين من ناحية حالمين لكن عندهم بصيرة تدفعهم لرؤية الجمال في شيء لا يُرى فيه، والقدرة بتطوير الشيء في بالهم ليكون واقعيًّا.”

وبإشراف القيِّمتان لولوه المانع وسارة العمران؛ يتجسّد المعرض “مغرس: مزرعة تجريبية” على شكل الـ مغرس – بمعنى وحدة قياس لمساحة الأرض التي تحيط بها أربع نخلات. ليأخذ زواره إلى قلب الأحساء النابض بأجندة تفاعلية تطرح تساؤلات جوهرية حول حفظ الإرث الريفي والتكيف مع التحولات وإحياء الذاكرة المجتمعية والخيال – تعزيزًا للروابط بين الإنسان والبيئة.

ما يذّكرنا بسياق التكوين الفنّي “نوفاي” إذ يدفع زواره أن يفقدوا الاتجاهات، ويقدّم تفسيرًا حساسًا للظواهر المعنوية بمنحها مادية من خلال أشعة الضوء والصوت في الفضاء. فوفقًا لمعرض “أحاديث الحنين 2022” يتعاون معهد مسك للفنون والشاعر صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبد المحسن، لتصوّر أصوات مستوحاة من المشاهد الطبيعية في الرياض بحيث يتضمن العمل قصيدة البدر “خوف وسكات” ضمن النطاق الصوتي للتركيب الفني.

عندما يرجع المعماريون للماضي تكون الصورة غير مكتملة ويجدون صعوبة في إجابة الأسئلة؛ من المهم الارتكاز على الجوانب الحقيقية الفعلية في الكتب أو الأرشيف أو حتى الذاكرة التي ما زالت تروى من معاصري التغيرات.

كما يقدّم مركز الدرعية لفنون المستقبل الإقامة الفنية “مزرعة” مطلع العام 2025 – باعتبار يتبنّى تِقنية الخيال، ويوفر مساحة لفناني الوسائط الرقمية والباحثين في تقاطعات الفن والتكنولوجيا والتراث الثقافي؛ عبر تأمل موضوع الإقامة في نسختها الأولى “أحلام الرمال بدقة عالية” – نحو تفاعل حيوي بين الطبيعة والتكنولوجيا والبشرية.

تقيس الدكتورة سمية السليمان معيار الاتزان بين الخيال والواقع كمصدر لتعاملنا مع الأرشيف؛ بمنظور الجناح السعودي “مدرسة أم سليم: نحو مفهوم معماري مترابط” في بينالي البندقية الدولي للعمارة، إذ تشير “لو تكلمنا عن مدرسة أم سليم كمشروع ينظر لسنوات من الدراسة – هنا أهمية الأرشيف والتعرف التراكمي، ما جعل الموضوع يتحول من مختبر إلى مدرسة. بداية عمل المعماريات نجود السديري وسارة العيسى كان في دراستهم ورغبتهم في استكشاف أماكن خاصة بمدينة الرياض، لكن رغبتهم بترميمها لاحقًا فتحت آفاقًا من التحديات والفرص”.

أعتقد أهمية الخيال مالها مرادف آخر، لكن الخيال فعليًّا تخيل ما يمكن أن يكون وهنا لابد من الجرأة إضافة للجانب الإبداعي؛ وهل عندنا الجرأة أن نتغير للأفضل.

ومن داخل جاكس الدرعية؛ تتصوّر السليمان كيفية تفعيل الخيال كأداة لتصميم المستقبل “عندما نتكلم عن الخيال فلابد أن ننظر له كأحد أساسيات رؤية المشروع منذ البداية، والرؤية تتعدى الشيء المحسوس إلى الغير محسوس على مدى الزمن؛ لأن التصميم المتوافق مع الأزمنة والأماكن يتكيف مع التغيرات وهذا صعب، لكن القدرة لاستباق الأحداث باعتبار احتياجات الجميع ومستقبل المشروع؛ تتطلب سعة خيال لحل التحديات التصميمية بأفضل الطرق وأقل الموارد وأحسن النتائج”.

صورة مقربة لسبيل ماء 2025، الجناح الوطني السعودي “مياه صالحة”، بينالي لندن للتصميم 2025 – تصوير عزيز جمال، بإذن من هيئة فنون العمارة والتصميم.

تَعتبر حملة «نروي لك الغد» المتحف أرشيفًا حيًّا، بحيث تداوم هيئة المتاحف على توثيق التاريخ وتعزيز الفهم الأعمق لمعطياته؛ بالتالي تشجيع حس الابتكار لدى الأجيال القادمة. وتعمل المملكة على تطوير متاحف إقليمية لدى 11 منطقة لنسج مراكز مجتمعية دائمة من أجل رحلة استكشاف مستمرّة – شعارها “روايتنا السعودية”.

اليوم، تتوافق فنون العمارة والتصميم مع مجمل مسارات الحياة، بتفسيرها ما يعنيه التأنّي وخلق الوعي والإبقاء على مختلف التقاليد والاستمرار بها مع تحدي فهمنا – لتبنّي فكر جمعي أكثر صلة بالمستقبل. تمامًا مثلما تشير تحقيقات فناني المعرض “تعاودني خيالات 2022” مؤكدين على أنه كلما بَرعنا في التشبث والإبقاء على ما مُنح لنا؛ أورَقت لنا الحديقة الخضراء التي لطالما حلمنا بامتلاكها!.

اقرؤوا أيضًا:

No more pages to load