
عين بازار: الفنان عبدالرحمن السليمان يمزج مفْردة الخيال بالذاكرة
تُرسم فنون عبدالرحمن السليمان بأسلوب يضفي روحًا للكلمة؛ لتكون ممارساته في تلاقيها بمثابة مكتبة لهذا الزمان وسردية بصرية لعمْق أحداثه! «أنا الكتاب والأغنية والفيلم»
أثناء افتتاح مبادرة «مكتبة الفنّ» من مسك الفنون؛ تقدّمتُ يوم السبت الموافق 12 يونيو 2021 – للفنان عبدالرحمن السليمان من أجل توقيع الكتاب الأول لتلك المبادرة، شكرته لتواجده وتساءلت بشأن حكمة تُلخص كل ما تعلّمه خلال مسيرته الفنية!.. قابلني برحابة صدر، شكر سؤالي، وقال في ما معنى حديثه: «لا يدخل الغرور إلى نفسك؛ فيفسد كل مساعي كان من الممكن أن تقدّميها وتنجزيها في الحياة» واستطرد بأن ذلك الأمر هو الأهم من كل ما يمكن أن يكتسبه أو يتعلمه الفنان.
لا زالت تلك الحكمة ترافقني عند مفترقات الطُرق؛ ورغم أنها أمر مسلّم بكونه من الفطرة السليمة؛ إلا أنها لامست يومها شيئًا بداخلي كما لو أنها المرة الأولى لسماعها!. اليوم أفترض أن التحلي بـ «اتزان التواضع» قد يكون السر الأكبر وراء تمام ممارسات الفنان بغزارة متوازية ومكمّلة لبعضها الآخر؛ حيث يلهم عبدالرحمن السليمان أجيال من محبي الفنون بتواجده المثمر وانفتاح فكره بمن حوله.

ذلك عبر إسهاماته بأعمال وكتابات فنية مثّلت حجر زاوية لساحة الفنون الإقليمية؛ حيث شُيّدت المرحلة المبكرة للفن السعودي المعاصر. احتفظ الفنان خلالها بأساس عمل على امتداد تطور مسيرته الفنية – بفعل تجريدي سمح بما يسميه: التأويل، والذاكرة، والخيال. حيث تشمل أعماله إلى حد كبير علاقة دافئة بالمكان، فوفقًا لتحليل القيّمة الفنية، الكاتبة والناقدة (زين الساعي) فإن عبدالرحمن السليمان «لا يسعى إلى عرض نسخة من محيطه كما هو في الواقع، بل يجعله يمرّ عبر الأخاديد العميقة للذاكرة، وسردية العين الثالثة».

من داخل كتاب عبدالرحمن السليمان لـ «مكتبة الفن»؛ يصف الناقد الفني (فاروق يوسف) ممارسة الفنان بين مفارقات من سحر المكان وعبقريته، فيقول: «بقدر ما يحلم بقدر ما يرى. العكس يمكن أن يكون صحيحًا». وبفيض من الإشارات؛ ينوّه الناقد يوسف بمنظور نغم البلاد الخفية: «شغف عبدالرحمن السليمان بالمكان سيتحول تدريجيًا إلى علاقة سحرية بالذات. لقد اختفت الأحساء لأنه غادرها. بل إنه لو عاد إليها لن يجد شيئًا مما صار جزءًا من كيانه الداخلي. سيغمض عينيه من أجل أن يراها. ولكنه حين يفتحها لن يرى شيئًا. لا يفاجئه ما يقع له. كل شيء قد ذهب إلى الرسم. أليست تلك هي ضالته؟».
وبتتبع تحليل فاروق لعمليات إعادة الصياغة فإن «السليمان كان يطور شكل المفردة الواحدة بين لوحة وأخرى فتتعرض المفردة للحذف والإضافة لتظهر في النهاية كما لو أنها مفردة جديدة. حينها فقط يرفع الرسام يده عنها ولا يعود إليها مرة أخرى. لقد أنجز مهمته». في أحيان أخرى يقوم الفنان بعمليات توليدية، بمعنى: «يستخرج من داخل المفردة مفردة جديدة، توحي بها غير أنها لا تشبهها. وتلك عملية تتطلب تأملا يمتزج فيه البصري بالشعري… فإنه يتفاعل مع سؤاله الجوهري فيما يتعلق بصلته الروحية بالمفردة. إنه نوع من التفاعل الثقافي الذي يفتح دائرة الإرث الجمالي على المستقبل».
ومن منطلق أن الفن يصنع الواقع يتساءل الناقد فاروق يوسف بشأن: «من يلهم من؟» ذلك سؤال دائري. فبعد أن كان الواقع قد ألهم الفنان طاقة جمالية ساعدته على قبض مواقع متعة بصرية؛ يقوم الفن بإلهام الواقع قدرة غير متوقعة على تخيل صورته بعد أن تكون ملامحه قد اندثرت بفعل الزمن، مؤكدًا «ذلك ما يمكن اعتباره محاولة للانتقال باللوحة من كونها فكرة عيش متخيّل إلى مكان متخيل للعيش» وهو ما سيدفع بالمتلقي إلى القول: «لقد رأيت كل شيء!».
تخطُّ السطور التالية مفردات رُسمت على يد الفنان عبدالرحمن السليمان – بدفئ من الدمام؛ عابرة خبايا «عين بازار» ومنظورها الأسود والأبيض:
الأسود والأبيض هو … ؟
الأسود والأبيض فقط في لوحاتي ومعه تكون درجاتهما، شخصيًا لا أميل إلى هذا التقابل في شخصيتي، لأن الحياة بذاتها انعطافات وتحولات ومتغيرات، قد نستحسن في بعضها إحداهما وقد نستمر لنكون الحياة وجمالها.
كيف هو واقع العالم اليوم برأيك؟
واقع مأساوي ومأزوم للأسف، العالم اليوم مشحون بما يتناقله الإعلام من حروب وكوارث وأمراض وتحولات في العديد من الأمور. مستقبل يستهدف البشرية. الأمراض المفتعلة والميكروبات المخلقة والحروب والتهديدات وحتى التدخل في الحياة التي فطرها الله. للأسف الإنسانية تعادي بعضها من أجل الهيمنة والسيطرة.
ما الذي يدفعك للاستيقاظ وممارسة حياتك اليومية؟
هي الحياة ومتطلباتها، المهم نستيقظ لنسمع خبرًا سارًا وفعلًا إنسانيًا نبيلًا يرتقي بالبشرية ويبشرنا بالسلام والحب.
كيف يمكن وصف رحلتك الفنية حتى الآن؟
رحلتي الفنية هي مسار أي محب للفن، أعمل في أكثر من وجهة – لم يزل وقتي للفن، أرسم وأقرأ وأكتب حوله، كما هي مشاركاتي التي تستجيب لما أراه مناسبًا وملائمًا.
ما هو مصدر إلهامك الأكبر في هذه الفترة؟
مصادر الإلهام كثيرة، والحياة ممتلئة بالجمال والقبح والخير والشر. طبعًا إنسانيتي ومجتمعي ومكاني وثقافتي هي مصدر رئيس في أعمالي، كما أن لموروثي وهُويتي أثرهما؛ مع اهتمامي الدائم بأن يحمل عملي الفني رسالتي التي تنقل ثقافة وتاريخًا وشخصية.
كيف تبدأ طقوس ممارستك الفنية؟
الحقيقة ليس لدي طقوس بمفهوم الكلمة بقدر حرصي على أن يكون لمرسمي الجزء الأكبر من يومي ومكتبتي كذلك، وهذا الجهاز الذي أكتب من خلاله إجاباتي، حيث تحرير مادة أو مراجعة مشروع أو متابعة إلكترونية.
ما هو مفهوم السعادة برأيك؟
السعادة تكون بالرضا والانشغال بما يسر، وهذا أجده بين أسرتي، وفي أن أرسم وأكتب وأقرأ وأسافر وألتقي بزملاء الفن وأحضر مناسباته قدر استطاعتي.
ما هي اللحظة الفارقة التي غيرت رؤيتك للحياة؟
ليس من لحظات غيرت رؤيتي للحياة فكل حدث يضيف خبرة. عشت طفولتي في بيئة محافظة وبسيطة عشت ما قبل الكهرباء وعندما كانت المياه ترفع من آبار محفورة في المنازل. توفيت والدتي مبكرًا (1965) وتركت وفاتها أثرًا كبيرًا عليّ، وانعكس على بعض أعمالي (لوحة مسحة على رأس يتيم 1980) على سبيل المثال.
أسعى دوما لأضيف إلى خبراتي وأجدد معارفي من خلال قراءاتي، فكان مساري متوازيًا مع ما يمكن أن يشكل إضافة ومعرفة جديدة تسهم في الارتقاء بمفاهيمي الحياتية ورؤاي الفنية والثقافية عامةً، أو إنتاجي الفني والكتابي.
أول عمل فني قمت باقتنائه؟
الاقتناء هنا يعني الشراء، وأنا لم أقتني أعمال أحد من الزملاء الفنانين إلا الكتب التي لم تكن متوفرة بالشكل الذي يساعدني على تحقيق طموحي المعرفي والثقافي. الكتب بالنسبة لي (زاد!) كنت أقتنيها بشراهة عندما أسافر إلى بعض البلدان العربية أو الأجنبية.
معظم الأعمال الفنية التي بحوزتي إهداءات من أصدقاء أعزاء سعوديين وعرب.
5 كلمات تصف هويتك؟
هويتي هي ثقافتي ومكاني وتاريخ يعتز بعروبته.
مكان يشبهك؟
الأحساء، مدينتي الأولى.
أقرب عمل فني إلى قلبك؟
أعمالي، تتمرحل بينها من اتخذ شهرة من خلال بيع في مزاد وضوء إعلامي مكثف، وبين أعمال تالية اقتنتها متاحف أو مجموعات فنية معروفة. لا أميل إلى تسمية أعمالي، أحب أن تتخذ التجربة مسمى واحدًا كأماكن أو مناخات أو تحولات المكان أو أثر (إلخ) وهذه كلها أسماء لمعارض شخصية أقمتها في الخبر والرياض وجدة، لكن عملي (خروج المصلين من المسجد) أو حتى (مسحة على رأس يتيم) كانا الأكثر شهرة خاصة الأول بعد بيعه في مزاد سوذبيز 2018.
ممارساتك المعتمدة من أجل كوكب أرض أكثر استدامة؟
هي أن تقترن بالحب والدعوة إلى السلام.
كتاب أو أغنية أو فيلم يمثلك في هذه المرحلة؟
أنا الكتاب والأغنية والفيلم.
حلم حياتك؟
الأحلام كثيرة لكن يكفيني أن أعيش في صحة وسعادة بين أسرتي وأحبتي وأن أستطيع إكمال دوري في الرسم والكتابة وخدمة وطني، وأن أرى المزيد من الإنجازات الفنية التي كنا نحلم بها ذات يوم ونجدها الآن تتحقق وتبشر بمستقبل كبير وأشمل للفن في وطني.
ملاذك الأخير؟
ملاذي خالقي. الله هو ملاذي بلا شك. لكننا في حياتنا العامة عادة ما نجد أنفسنا نحو فعل يخفف بعض رتابة أيامنا وعموم أوقاتنا، وبالتالي فهو مرسمي وفني.
جميع الصور / بإذن من الفنان
اقرؤوا أيضًا: عين بازار: بالأسود والأبيض تتجلى بصيرة الفنانة نادية الكعبي للكفيف والرائي على حدٍ سواء