
مريم مصلي ترصد تطور صناعة الأزياء في السعودية
مستشارة التحرير في قسم الأزياء لدى هاربرز بازار السعودية، مريم مصلي ترصد تطور الصناعة في المملكة
وأخيراً أصبح للأزياء السعودية منصتها الدولية الخاصة بها لتضع ثقافة البلاد على خارطة الأزياء العالمية. فلطالما امتلكنا المقومات اللازمة للانتشار العالمي، بما في ذلك قاعدة المستهلكين المميزة من عاشقات الموضة، وغالباً ما نلتقي إحداهنّ وهي تتسوّق في متجر هارودز أو تلقي نظرة خاطفة على واجهات الأزياء خلال تجوالها على الرصيف البحري لميناء بويرتو بانوس. وتضم المملكة بطبيعة الحال العديد من المواهب الإبداعية القادرة على إحداث فارق ملموس والتعبير عن ثقافتنا بأفضل صورة.لم يكن اكتشاف هذا المشهد الغني بتلك السهولة، فقد اقتصر انتشاره على المقالات الإعلانية الدولية الخاصة بكبار المصممين، أو من خلال قطعة أزياء حصرية تم إصدارها لتمكين المرأة ونشرها خصيصاً لجذب انتباه 30 مليون من السكان المحليّين، والذين ينتمي معظمهم إلى الشريحة العمرية التي لا تتجاوز الثلاثين عاماً، ممّن لا يزالون تحت تأثير الإبهار الفكري والبصري لهواتفهم الذكية.
إذا ما أردنا الغوص في مشهد الموضة المحليّ، فقد كان على مرّ التاريخ حصراً على الجلسات النسائية الخاصة، حتى أنني أطلقت كتابين عن هذا الموضوع، أو ضمن الجدران الداخلية لصالة حفلات تقتصر على السيدات مع سياسة صارمة تمنع التصوير داخلها، ولكن هذا الواقع تغيّر الآن إلى غير رجعة.
صورة من الكتاب الذي أصدرته مريم بعنوان “خلف العباية”.
فمنذ بضعة شهور، استضافت شركتي عرض أزياء مباشر لعلامة سعودية على موقع إنستغرام، حيث تضمنت التصاميم إبداعات جريئة من فساتين السهرة مع قصّات أنيقة بأسلوب غاية في الرقيّ والإبداع، عُرضت هذه التصاميم على منصة العرض بحضور نخبة مشاهير الموضة على مواقع التواصل الاجتماعي، في مشهد جديد تماماً بالنسبة للجميع ومختلف كلياً عن العروض الخاصة التي كانت تقام في الماضي. فهذه المرة، كان مقياس نجاح العرض في عدد المشاهدات التي سجّلها.
اختفت الظلال التي كانت تستخدم لتشويه أغلفة مجلات الأزياء. وحل محلها إطلالات راقية وأنيقة ومحتشمة لطالما كانت موجودة في مجتمعنا.
من الصعب على المتابعين من الخارج فهم هذه الحالة من التباين في تقاليدنا، ففي تلك المرحلة، كانت أي فتاة لا تمانع الظهور على مواقع التواصل الاجتماعي تتحول مباشرة إلى عارضة أزياء، ولم تكن صالات العرض خياراً مطروحاً لصعوبة استخراج تأشيرات دولية كونها مكلفة بالنسة لرواد الأعمال.
عندما أطلقتُ شركتي الخاصة قبل عشر سنوات من الآن، سافرت إلى الإمارات كي أقنع علامة تجارية فاخرة بالتعاون مع أول شركة تواصل سعودية تركّز على المرأة في ذلك الوقت. ولحسن الحظ تمت الموافقة على طلبي، ولكن بحسب الشروط التقليدية لعروض الأزياء الخاصة، والتي تُقام بشكل مؤقت لكبار الشخصيات ضمن قصر خاص بضيافة إحدى الأميرات.
بعد ذلك، وفي العام الماضي تحديداً، ارتحلت العلامة التجارية نفسها بمجموعة من العارضين العالميين لتقيم عرضاً على إحدى منصات الأزياء في الرياض. أمّا المفاجأة فتمثّلت بمشاركة عارضين وعارضات أمام حضور من كلا الجنسين. وبعد العرض، توجّه إلينا فريق الإشراف المكوّن بالكامل من مواهب سعودية بالشكر لمنحهم فرصة التعاون مع مواهب عالمية لأول مرة.
احتفال المشاركين في العرض الأخير الذي أقامته مريم مصلي.
كشفت هذه التجربة عن تغيير جوهري يعكس استعدادنا لفتح أبوابنا للعالم الخارجي، وأن نسمح للجميع أن يتعرفوا على ثقافة إبداعية اقتصرت طوال تاريخها على المجتمع المحلي وأصبحت الآن متاحة للعالم. لذلك لا بدّ أن نشعر بالفخر بالإنجازات التي حققناها خلال السنوات القليلة الماضية. فالثقافة المحلية المرتبطة بالمملكة لم تكن مجرّد شائعات، وإنما حافظت على خصوصيّتها لفترة طويلة قبل أن تُكشف للناس بعد طول انتظار، لتعلن للعالم عن وجودنا وتعرّف الجميع بقيمنا والمواهب التي نتمتع بها، ولتكون بداية الانطلاق نحو مشهد الموضة العالمي.
قد تبدو هذه الدعوة المفتوحة للدخول إلى مجتمعنا واستكشاف عاداتنا صعبة التصديق حتى بالنسبة لأفراد المجتمع السعودي أنفسهم. ولكنها ليست خدعة إعلامية. لأننا لم نعد مهتمّين بنظرة العالم الخارجي نحونا، وإنما نركّز الآن على تأدية أدوارنا الجديدة.
وما نريده في الوقت الحالي لا يقتصر على جذب القليل من انتباه شركات أو علامات تجارية عالمية تريد الاستفادة من تراثنا العريق، وإنما نسعى إلى استثمار حقيقي يتيح لنا المساهمة في هذا النمو. لقد دخلت المملكة العربية السعودية في عصر النهضة، وهو عصر يعيشه أبناؤها بكل فخر وامتنان.
مريم مصلي تسعى لكسر الصورة النمطية عن المرأة السعودية في كتاب “خلف العباية”.
ربما تبدو هذه المقالة كسرد عاطفي تم اقتطاعه من صفحة يوميات مراهقة في الخامسة عشرة من عمرها، ولكنها ليست كذلك، لأني لم أكن لأتخيّل هذا المشهد في مراهقتي. وبينما أختتم هذه المقالة التي أكتبها للعدد الأول على الإطلاق من مجلة هاربرز بازار السعودية، لا يسعني سوى أن أردّد سطورها الأخيرة بصوتٍ مرتفع: هاربرز بازار السعودية ليست مجلة نسائية تقليدية، بل إصدار مخصص لنا، ويحق لنا أن نفخر به. إنها تعبيرٌ عن الإبداعات الثقافية والابتكارات التي تحتضنها هذه الأرض، ويمكنها الآن أن تعرضها بفخر أمام العالم.
تغمرني هذه اللحظة موجة من العواطف الفياضة. فبعد ستة عشرة عاماً من العمل في الصحافة المتخصصة بالموضة، أدرك تماماً أهمية هذا المشروع، ويشرّفني أن أشارك فيه.
اقرؤوا أيضاً: نحو تكافؤ الفرص: رسالة الأميرة ريما بنت بندر آل سعود على صفحات هاربرز بازار السعودية
الصور بإذن من الكاتبة، تصوير منال الخليدان و لينا. نشر للمرة الأولى في عدد هاربرز بازار السعودية مارس 2021