Posted inالثقافة

كيف تسافر النخبة؟ ما هو شكل عطلة فاحشي الثراء حول العالم

الميزانية قد تتجاوز الملايين، والوجهات إلى أبعد ما قد تفكر فيه العقول من القارة القطبية الجنوبية إلى الفضاء الخارجي. فعطلات فاحشي الثراء لا تدور حول الاستمتاع بل الانبهار…

عندما تخطو النخبة إلى عالم السفر، فإنهم لا يحزمون الحقائب بقدر ما يحزمون التوقعات، ولا يضعون الوجهات في حسبانهم بقدر ما يسألون أنفسهم: ما الشعور الذي أود أن أعيشه في هذه الرحلة؟ في عالم فاحشي الثراء، لا تُقاس العطلة بعدد النجوم على واجهة الفندق، بل بعمق التجربة، وفرادتها، وتأثيرها الذي يدوم طويلًا حتى بعد العودة إلى أرض الوطن.
ليونيل جيرارد، الرئيس التنفيذي للشؤون التجارية في مؤسسة لارتيسان لتنظيم الرحلات المصممة حسب الطلب، يشاركنا:”عملاؤنا لا يبحثون عن وجهة بعينها، بل يطاردون إحساسًا، لحظة شعورية خالصة. لا قائمة أمنيات، بل أمنيات شعورية. يريدون ما يُحرك الوجدان، ويوقظ الدهشة”.
فما الذي يمكن أن يُرضي هذا التوق؟ لا يكفي الطعام الفاخر، ولا الفنادق الأيقونية، ولا أجمل مناظر العالم. النخبة يبتغون تجربة تحولهم من الداخل، لحظة تغيرهم للأبد، سواء أكانت في قلب غابة، أم على سطح قمر صناعي.
يتحدث جيرارد عن إحدى أغرب الرحلات التي نظمها:”طلب منا أحد مقتني الفن المعاصر رحلة عنوانها (أسبوع من أبيات الشعر الحية) في اليابان. شملت زيارات لأعمال فنية تركيبية في ناوشيما، لقاءات حصرية مع فنانين في كيوتو، وجلسة شاي خاصة في جناح معلق وسط حديقة من الطحالب، خفيّة عن أعين العامة”.
أما عن الرحلات العائلية، فهي حكاية أخرى. يوضح لوري لايوس، المؤسس المشارك في تي جي بي برايفت ترافل:”عندما تجمع أكثر من جيل، من الأجداد إلى الأحفاد، لا تبحث فقط عن الرفاهية الفردية، بل تصمم برنامجًا يُشعر كل فرد وكأنه صُمم خصيصًا له، بينما تخلق خيوطًا عاطفية بين العائلة”.
في هذه الرحلات، كل تفصيلة مدروسة وكأنك تعزف سيمفونية. فريقهم يتكون من طهاة حائزين على جوائز، مؤرخين محليين، رهبان بوذيين، ونشطاء بيئيين. يضيف ليونيل:”لا نبيع رحلات، بل نبتكر مغامرات حسية. كل لحظة لديها نغمتها الخاصة، وكل عنصر فيها مصمم ليوقظ إحساسًا فريدًا”.
إحدى الرحلات الأخيرة تضمنت تخصيص جزء من نهر الميكونغ بين لاوس وكمبوديا لعائلة واحدة. أقاموا في قارب فاخر مجهز بأفضل الطهاة، فرقة راقصة من التراث الخميري، وأمسيات تُروى فيها الحكايات القديمة على لسان مؤرخين محليين. كل لحظة صُممت لتكون ذكرى تنبض بالحياة.
يكشف ليونيل:”إيطاليا تبقى خالدة، بثقافتها وتاريخها، لكن هناك تعطش متزايد لتايلاند، بوتان، واليابان، لأن تقديس التجربة الشعورية متجذر في ثقافتهم”.
نيوزيلندا أيضًا صعدت على خارطة النخبة، بسبب طبيعتها الساحرة واهتمامها العميق بالاستدامة. أما الأنتاركتيكا، والقطب الشمالي، فباتا من الوجهات الأعلى طلبًا بسبب روعتهما البيئية، واتساع مساحتهما، وشعور العزلة الوجودية الذي يقدمانه.

من خلال طائرات غولف ستريم الخاصة، ينطلق المسافرون إلى الصحراء البيضاء في أنتاركتيكا. هناك، يحتسون الشامبانيا فوق الجليد برفقة المستكشف الشهير ليفييسون وود، ثم ينطلقون في غوص خاص تحت طبقات الثلج، أو في يخت فخم نحو جبال الجليد للتزلج المحلي.
حتى قمة إيفرست ليست بعيدة المنال. فـ(لايوس) ينظم قفزات سكاي دايف من ارتفاع 30 ألف قدم، يليها إقامة خاصة على أطراف المخيم الرئيسي، ثم النزول من القمة برفقة كامي ريتا، الشيربا الأسطوري الذي صعد إلى القمة أكثر من 31 مرة.
يوضح لايوس:“السر في هذه الرحلات هو المزج بين الرفاهية القصوى والابتعاد عن أي بهرجة. البساطة النقية التي تلامس الروح” .
ويكشف:“بعد ظهور كيتي بيري، غايل كينغ، ولورين سانشيز في رحلات فضائية خاصة، تضاعفت الطلبات”.
فيرجين غالاكتيك تعرض رحلات بـ200 ألف دولار لمدة 90 دقيقة، حيث يعيش الركاب تجربة انعدام الجاذبية. بينما تقدم سبيس إكس مغامرات أطول، تشمل تدريبات رواد فضاء حقيقية، وفرصة للبقاء في المحطة الفضائية الخاصة التابعة لـأكسيوم سبيس لمدة تصل إلى أسبوعين.
في سونيفا سيكريت بجزر المالديف، يمكن للضيوف السباحة مع أسماك المانتا، والانزلاق الحر فوق المياه، بينما يعد لهم طاهٍ عالمي أطباقًا مصممة حسب حمضهم النووي الغذائي.
وفي كينيا، تنظم تانيا كار هارتلي رحلات سفاري خاصة تتبع هجرة الحيوانات، مع إقامة في مخيمات مترفة تضم سبا ومسابح خاصة، ويُطهى الطعام على يد طهاة حاصلين على نجمات ميشلان.
إذا كان لدى العملاء ميول ثقافية، تُرتب تانيا زيارات إلى قبيلة «بوكوت» المعزولة، والتي لا يمكن الوصول إليها إلا بإذن وتنسيق خاص. أما لمحبي المغامرة، فيمكنهم مشاركة مشروب الغروب مع وحيد القرن، أو الطيران بطائرة هليكوبتر نحو جبل كينيا لصيد السمك على ارتفاع 14 ألف قدم.
لوري ينظم تجارب خيالية لعشاق الموضة، حيث يمكن للعميل أن يفتتح دار أزياء خاصة به لموسم واحد، يقودها خياط سابق في ديور أو شانيل. تشمل التجربة:(رحلة خاصة إلى باريس، إقامة حصرية في شقة فاخرة أو جناح فندق شوفال بلان، جلسات تصميم فردية، واختتام بعرض أزياء خاص يرى فيه العميل تصاميمه تتجسد على عارضات محترفات، في أمسية لا يحضرها سواه).
برامج العافية لدى أصحاب الثروات الطائلة تختلف. تشمل تحاليل خلوية دقيقة، فحوصات ميكروبيوم، علاجات وريدية متقدمة، وحقن خلايا جذعية من بنك بيولوجي خاص.
كل هذا، على متن يخت فاخر، مع طاهٍ متخصص في علم «تغذية الجينات». التكلفة تبدأ من مليون دولار، لكنها لا تُمثل عائقًا أمام من يبحث عن إعادة برمجة جسده بالكامل.
ليونيل يختصر فلسفة هذا العالم قائلاً:“الأثرياء يعيشون في مفارقة؛ يتوقون إلى ما هو أيقوني، لكنهم يسعون خلف ما لم يُكتشف بعد. التجربة يجب أن تبدو وكأنها لا يمكن تكرارها أبدًا – والأفضل ألا يراها أحد غيرهم”.
في نهاية المطاف، السفر لدى الأغنياء حد البذخ ليس مجرد هروب من الحياة اليومية، بل هو استكشاف للذات عبر مغامرات صُممت لتترك أثرًا خالدًا. بعيدًا عن المتناول، وخارج حدود الخيال.

من عدد هاربرز بازار العربية لشهري يوليو وأغسطس

اقرؤوا أيضًا:

No more pages to load