
الدكتورة سمية السليمان قوة ناعمة تعمر الوطن بفلسفتها الشاملة ورؤيتها المستدامة
د. سمية السليمان الرئيس التنفيذي لهيئة فنون العمارة والتصميم تشارك هاربرز بازار بصوتها وفلسفتها الخاصة في شأن العمارة والتصميم
برؤيتها الحاذقة وفلسفتها الفريدة الدكتورة سمية السليمان الرئيس التنفيذي لهيئة فنون العمارة والتصميم تأخذنا في جولة من الداخل حول تاريخها الحافل بالعطاء ورؤيتها الأصيلة كقوة ناعمة تعمر الوطن، وذلك من خلال فلسفتها الشاملة التي تمكن أكبر عدد من المبدعين لبناء الوطن بأسلوب إنساني مستدام. وتجدر الإشارة إلى توجهها الشامل في رعاية البيئة وأخذ مسألة تغير المناخ في عين الاعتبار خلال تلك المسيرة. حيث أشارت الدكتورة سمية السليمان إلى ذلك خلال حديثها مع هاربرز بازار العربية مؤكدة على دور الاستدامة في ضمان جودة أعلى لحياة البشر على كوكب الأرض، والحفاظ على مستقبل أكثر ملائمة للأجيال القادمة.
تشاركنا الدكتورة سمية السليمان مسيرتها مع العمارة مفتتحة حديثها بمُلهمها: “أول شخص عرفني على العمارة هو عمي المعماري؛ كنا دائمًا نتحدث عن الموضوع خلال مرحلة الثانوية، وكان لدي انطباع بأني لا أملك الإبداع الكافي”. كانت الفرص محدودة وقتها لكن الدكتورة سمية اختارت أن تجرب المتاح، وهو تخصص العمارة الداخلية. وذلك من منظورها لا يقتصر على ممارسة التصميم بل على الحوار عنه، الكتابة، تبادل الخبرات، والبحث التاريخي في جانب النظريات وغير ذلك الكثير.
شغلت د. سمية عدة مناصب قيادية في عدة مجالات في السنوات الماضية ومثلت المملكة رسميًا ببحوثها في عدة مؤتمرات دولية. وفي العام 2018، عملت كقيمة فنية للجناح الوطني السعودي في معرض بينالي البندقية للعمارة. أما العام 2020 فقد كان عامًا مميزًا حيث صدر للدكتورة سمية كتاب يحمل عنوان “على خد الكون” يضم أبرز مقالاتها، وعيّنت رئيسًا تنفيذيًا لهيئة فنون العمارة والتصميم ضمن هيئات وزارة الثقافة السعودية.
“عند مقارنة الشواهد المادية التي يصنعها الإنسان اليوم، تأتي العمارة في مقدمتها بوصفها الشاهد الحضاري الأوسع حضورًا في حياة المجتمعات بالمقارنة مع وسائل التعبير الثقافية الأخرى”. جاءت هذه العبارة ضمن أول خطاب لها في منصبها هذا، مما يظهر أنها الشخص المناسب في المكان المناسب.
نحو عمارة مستدامة
تشاركنا الدكتورة سمية السليمان خلاصة تجاربها وتطلعاتها مع هيئة فنون العمارة والتصميم. وذلك من خلال المعايير التي تتبناها الهيئة من أجل بيئة أكثر استدامة للإبداع ولكوكب الأرض، فتؤكد أن الاستدامة هي أحد الأهداف الاستراتيجية بالنسبة للهيئة؛ وتؤكد على أهمية التفكير بالدرجة الأولى في تأثير العمران على الجوانب البيئية، وتشير إلى أهمية الجانب الاقتصادي بالتساؤل: “هل من الممكن أن يعمر هذا المبنى؟ وهل يمكن الاستفادة منه على مدى السنوات المقبلة مع أخذ تكلفة التشغيل في عين الاعتبار؟ ومن الجانب الاجتماعي يمكن أن تطرح أسئلة، مثل: هل تصنع هذه المباني مجتمعات صحية مترابطة؟ هل تشجع على سلوكيات ترجع بعوائد إيجابية على المجتمع؟ جميع هذه التساؤلات تدخل في مفهوم الاستدامة”.
تكشف الدكتورة سمية أن إحدى المبادرات التي تقوم عليها هيئة فنون العمارة والتصميم هي إنشاء مجموعة دولية مرتبطة بخبراء استدامة عالميين، مع إقامة مؤتمر دوري. لكون الاستدامة مطلب لحل مشاكل عالمية وإن كان العمل عليها يجري محليًا.
وتستطرد في حديثها عن مفهوم الاستدامة: “الاستدامة بمجملها ومفهومها الواسع جدًا تهدف إلى تحسين ظروف المجتمعات. ولو تطرقنا لهذا الجانب يمكن أن نذكر ميثاق الملك سلمان العمراني، الذي يرسم استراتيجية وطنية للتصميم العمراني مبنية على قيم محددة. أحد هذه القيم هي الاستدامة”. كما تشير إلى أن المجتمعات والعمارة التقليدية المحلية في السابق كانت متوافقة مع هذه المفاهيم بإنتاج شبه معدوم من النفايات، وبالتعامل مع الطبيعة في علاقة تكاملية، وتقول: “نفقد هذا النوع من التكامل في كثير من الأحيان حتى أن علاقتنا بالطبيعة محدودة للغاية. توجد جوانب كبيرة يمكننا تعزيزها من خلال أعمال الهيئة؛ سواء من ناحية المبادرات أو رفع التوعية بمكوناتها المختلفة”.
حوارات متواصلة
بدأت تسليط الضوء على جهود التصميم في المملكة بجهود فردية خاصة قبل ما يقارب عقد من الزمان. بالتزامن مع إقامة ” الأسبوع السعودي للتصميم” والذي يستعرض أبرز المبدعين في مجالات التصميم المتعددة في المملكة والعالم، أما في هذا العام، فقد تبنت هيئة فنون العمارة والتصميم هذا الحدث السنوي، وأطلقته تحت اسم “المهرجان السعودي للتصميم” بهدف إثراء المشهد المعاصر للتصميم. يضم هذا المهرجان الحافل معارض تشارك فيها العديد من جهات التصميم المحلية والعالمية، كما يضم سوق التصميم المخصص للعلامات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى البرامج المرتبطة بموضوعات التصميم المتنوعة، والحوارات وجلسات النقاش في المنتدى المقام في آخر يومين من المهرجان والذي يجمع عدد كبير من المهتمين بشأن التصميم في المملكة. وتؤكد على ضرورة استمرار الحوارات في سبيل التطور، وتقول “ما بين مهرجان وآخر لدينا فرصة لتطوير المحتوي بشكل مستمر. ليكون حوار مستمر فعليًا على مدى العام بإذن الله”.
فيما يتعلق بالرؤية طويلة الأجل لهيئة فنون العمارة والتصميم فتشير الدكتورة السليمان إلى أهمية تمكين المواهب في قطاع العمارة والتصميم باعتبار أن ذلك سيقود إلى هدفين أساسيين توضحهما الدكتورة سمية بقولها “الأول هو تحسين جودة الحياة لارتباط جميع مجالات تطبيقات الهيئة بجوانب تلامس حياتنا اليومية. والثاني: أنها تضع المملكة في طليعة المشهد الإبداعي العالمي، بحيث ترتبط سمعة المملكة بقوة التصميم مستقبلًا بإذن الله”.
خواطر المدن
كانت الكتابة أسلوبًا اتبعته الدكتورة سمية لرسم شغفها بالتصميم. وصبته في مقالات أسبوعية نشرت في جريدة اليوم. وبعد ثلاث سنوات، قررت أن تجمع مقالاتها في كتاب بعنوان “على خد الكون”. وتقول عن هذه التجربة “كنت منذ البداية واضحة جدًا بأني سأكتب الشيء الذي يدور في خاطري، دون ضرورة أن يكون مقال مخصص، فكانت كتاباتي وقتها نوع من اكتشاف الذات أكثر من كونها شيء تخصصي أنقله للناس”.
البحث عن السعادة…
وفي بحثنا عن المقومات الضرورية لخلق مجتمع سعيد تعتبر الدكتورة سمية ذلك التساؤل صعب جدًا، فمن وجهة نظرها لا بد من العودة لتعريف السعادة والذي يختلف من شخص لآخر، حيث تقول: “بالنسبة للبعض تأتي السعادة مرادفة للعطاء بينما ترادف الأخذ للبعض الآخر”. كما تعتقد أن هذا المفهوم شخصي جدًا، “أنا بالنسبة لي على مستوى شخصي أعتقد أن القناعة وراحة البال هي جزء مهم جدًا. لا أعتقد بأنها هي السعادة ولكنها على الأقل أحد العناصر الأساسية التي تدعوا لهذا الشيء”.
وأشارت إلى أن الوضع يختلف على مستوى المجتمع؛ “نحن في هيئة فنون العمارة والتصميم نحاول قدر الإمكان أن نجعل البيئات التي تحتضن هذه المجتمعات تدعوا للفرص المتكافئة وتسمح لهم بعيش أفضل الفرص الواردة”، كما أشارت إلى أنه لا يوجد شيء كامل ولكن جميع النوايا الحسنة موجودة ويتبقى موضوع الخطط المتوائمة مع هذه النوايا وكيف يمكننا ترجمتها على أرض الواقع؛ لتصل قدر الإمكان إلى أكبر شريحة ممكنة من الناس.
نلاحظ التركيز على موضوع حل التصميم لمشكلات مجتمعية متعددة وعند حوارنا عن ذلك المفهوم مع الدكتورة سمية أفادت بأن مسمى التفكير التصميمي كممارسة خرجت خارج حدود التصميم وذلك في مجال الأعمال؛ حيث تستخدم الكثير من الشركات أسلوب التفكير التصميمي في حال وجود مشكلة مستعصية. “وهذا ما تحدثنا عنه سابقًا، نبدأ بأسلوب التفكير التصميمي بأن يكون لدينا نوع من التعاطف. فلو أن لديك مشكلة في التصميم لابد أن أفهم مشكلتك؛ ولن أتمكن من ذلك إذا لم يكن لدي أي جانب تعاطف، لذلك لا يمكن أن أتقمص دورك بأن أقول بأني أتوقع أنها ترغب بكذا أو أن أقول الأفضل لك كذا بالنصح كنوع من الوصاية”. وتؤكد الدكتورة السليمان بأن العلاقة هنا وطيدة جدًا بين الشخص الذي يحتاج الحل والمصمم. “ويكون المفهوم التصميمي في مراحل متعددة بعضها متكرر بحيث نبدأ بإصدار عدد من الحلول أقوم بالرجوع لك فيها والسؤال عن المناسب، يمكننا القيام بتجربة حل واحد يقوم بحل ٧٠٪ من المشكلة فنقوم بالتعديل فيه”. يستخدم هذا الأسلوب الآن في مجالات الأعمال وفي العالم ككل فما بالك في الأشياء التي في صميم التصميم.
وتختتم الدكتورة سمية السليمان حوارها مع بازار بالتأكيد على أن حل المشكلات هو الأساس دائمًا لكن مفهوم ما هي المشكلة يختلف من شخص لآخر، لأننا يمكن أن نعرف العالم كمشكلة كبيرة إذا أردنا. لدينا إشكالية من ناحية الطاقة مثلًا، ومن ناحية الجوانب الاقتصادية، وفي تساؤل: “كيف نتمكن من استخدام الموارد المتوفرة بأقل التكاليف أو دون منع الأجيال المستقبلية مجموعة من المشاكل؛ عند النظر إلى ممارساتنا اليومية وهل تؤدي إلى مشاكل”، تشير إلى أن الهيئة قريبة من الجميع وبأننا سنتمكن من تطبيق مفهوم التفكير التصميمي؛ لنصل معًا إلى حلول أكثر استدامة بإذن الله.
اقرؤوا أيضاً: دولتشي آند غابانا في العلا… عرض ساحر في الطبيعة الخلابة