نحتفل بعيد ميلاد أيقونة الأزياء آيريس أبفل وهي ترتدي أجمل إبداعات المصممين العرب

تطرح آيريس أبفل عليّ الأسئلة في وقتٍ متأخر من الليل في اليوم السابق لموعد التصوير، وتلح بالسؤال بحيويتها المعهودة التي لا تتناسب أبداً مع حجم الإرهاق الذي أشعر به بعد أسابيع من التحضير.

وقبل المقابلة، تابعت آيريس روتينها اليومي، حيث قضت فترة الصباح تمارس الرياضة وتختار ملابسها وتنهي أعمالها وتتلقى المكالمات الصحفية، أكثر مما يمكن للعديد من الأشخاص إنجازه في يومٍ واحد. وبالرغم من سنها، من الصعب مجاراتها في النشاط.

بدأت آيريس المقابلة بعرض جزءٍ صغير من تشكيلتها الواسعة من الإكسسوارات على الطاولة في منزلها في ويست بالم بيتش. هذه الإكسسوارات المنتقاة بعناية والتي جمعتها على مر العقود، حيث رتبت كنوزها من المجوهرات الجذابة ليتاح لها اختيار قطعة منها لكل صورة نلتقطها. وستتوجه هذه المجوهرات التي تحمل ملصقات تستعرض معلومات عنها إلى متاحف ومعارض في مختلف أنحاء العالم، احتفاءً بالذكرى المئة لآيريس. من الرائع أن يكمل الشخص قرناً من الزمن على هذه الأرض. فكيف إذا كان هذا الشخص هو آيريس التي تصف نفسها بأنها أكبر شابة معمرة في العالم.

كانت حالات الإصابة بكوفيد-19 في فلوريدا في تزايد عند لقائي بآيريس بعد عدة أسابيع من جلسة التصوير، وشجعت الجهات الصحية الرسمية الجميع على أخذ جرعة داعمة من اللقاح. وعندما سألتها عن وضعها خلال الأزمة الصحية المستمرة، أجابتني بأن كوفيد-19 لم يكن أول جائحة صحية تشهدها، حيث كانت آيريس في إيطاليا عندما تفشى مرض الكوليرا منذ عدة عقود، والذي دفعها للاستغناء عن اللحوم في نظامها الغذائي منذ ذلك الحين. أما بالنسبة لكوفيد-19، فقد استطاعت الصمود خلال فترة الحجر الصحي وعملت من المنزل ولا تعتقد أنها بحاجة لجرعة داعمة. وفي الوقت الحالي، هي تستمتع بالقدر الضئيل من الحرية الذي وفره لها تلقيها للقاح، كما تتأمل أن تبقى ومن حولها بخير وبصحة جيدة، فآيريس ليست فقط أيقونة في عالم الموضة بل شعلة من الأمل.

الفستان، السعر عند الطلب، ميرا ميقاتي. جميع قطع الإكسسوار من مجموعة آيريس الشخصية.

وخلال جلسة التصوير، تلتقط آيريس قطع المجوهرات الملونة والمصنوعة بأيادي مصممين عرب خصيصاً لجلسة تصوير هاربرز بازار العربية، وتقربها الواحدة تلو الأخرى من ردائها المرح. وبينما تتأمل خياراتها، تسأل آيريس عن المصور، فلا شيء يفوتها حتى في عمر المئة وبالرغم من مشاريعها المتعددة ومسؤولياتها، ومن ضمنها الاعتناء بجاكي، الجرو الصغير. فهي شخصية حادة الذكاء ومتقدة الذاكرة يمكنها تذكر التاريخ المحدد الذي ارتدت به كل قطعة إكسسوار وأسماء أبرز المصورين الذين استمتعت بالعمل معهم وحتى أبرز المواقف التي جمعتها بهم. وروت لي، وهي تداعب معطفها وتتفقد أساورها بنظرتها الثاقبة ومن خلال نظارتها الشهيرة، امتناع ريتشارد فيبز عن تصوير الفراء كونه ناشط في حقوق الحيوان. وتسنى لآيريس خلال السنوات الطويلة التي عاشتها، حيث احتفلت بعامها المئة يوم 29 أغسطس، تطوير بصمتها الخاصة في عالم الأزياء بفضل نظارتها الشهيرة والفريدة، وبفضل المعرض المذهل الذي أقيم في متحف الميتروبوليتان للفنون بين عامي 2005 و2006 تحت اسم رارا أفيس: مختارات من تشكيلة آيريس أبفل، والذي عزز صورة ومكانة آيريس في مشهد الموضة والأزياء. وترى آيريس أن الفضل في حصولها على هذا الذوق الفريد يعود لمهنتها ولأسفارها الكثيرة، وأسرّت لي بأنها قلما وضعت الخطط لحياتها الشخصية أو عملها: “لا أملك أي خطط، وهذا مبدأي في الحياة ألا أضع أي خطط للعمل. ولو أن أحدهم قال لي قبل عشر سنوات بأني سأكون هنا اليوم، لسخرت منه ووصفته بالمجنون”. ولكن، الحياة تأخذنا إلى حيث تشاء، وأنا أحاول الاستفادة من الفرص إن وجدتها تستحق العناء. ولو حدثت بالصدفة وراقت لي، فسأجربها على الفور”.

القفطان، السعر عند الطلب، تالر مارمو. جميع قطع الإكسسوار من مجموعة آيريس الشخصية.

لعلّ هذا الأسلوب العفوية والحساسية المتفاخرة هي التي منحت آيريس شعبيتها، وجعلت منها رمزاً للموضة المحلية والعالمية، ومنحتها شخصيةً لا تتوقف عن الاستمتاع بما تقوم به. إلّا أن “بلوغها سن المئة يبدو مخيفاً” على حدّ تعبيرها، لأنه “لم يسبق لها أن عاشت مئة عام من قبل”. ولكن هذه الطرافة في الحديث تحوّلت لتصبح أكثر جديّةً عندما أكملت: “يبدأ الإنسان في التقدم في العمر منذ الولادة، لذلك يبدو التفكير في الأمر نوعاً من الحماقة. وما علينا فعله هو المضيّ قدماً ومواجهة الحياة بكل ما تحمله من تجارب. فإحساسي الآن يشبه شعوري تماماً عندما بلغت عامي الـ 99 أو 73 أو 22”. ولكن بلوغ آيريس عامها المئة يعني لعشاقها ومتابعيها الكثير، خاصةً في مسقط رأسها، نيويورك، حتى لو لم تكن هذه المناسبة تشكّل اي فرق بالنسبة لها. نشأت آيريس في مزرعة ضمن حيّ كوينز مع والديها وجديها- وبهذه المناسبة، يخصّص متجر Bergdorf متعدد العلامات التجارية نافذةً حصريةً لآيريس، كما تقيم علامة H&M حفل عيد ميلاد خلال أسبوع الأزياء في نيويورك. وتم مؤخراً اختيارها لنيل جائزة Andrée Putman Lifetime Achievement للإنجاز في حفل Créateurs Design. وتُعدّ الآن من بين أبرز الأسماء المبدعة إلى جانب شخصيات أسطورية مثل روبرت أ. إم. ستيرن وشكّلت هذه المناسبة لحظةً مثاليةً للاستفسار منها عن أفضل إنجازاتها، لتجيب بكل بساطة: “أفخر بأني ما أزال على قيد الحياة ولديّ القدرة على مواصلة الحضور والقيام بأعمال إبداعية مميزة ومساعدة الآخرين”.

المعطف، السعر عند الطلب، جيمي معلوف. السِوار من مجموعة آيريس الشخصية.

ومع حيوية كهذه، كان من الطبيعي أن تمتنع عن الإجابة على سؤالنا حول الصيحة التي تفضلها في عالم الموضة، حيث شكّلت جميع الخيارات بالنسبة لها أمراً مميزاً، وأكّدت بأنها لا تفضّل نمط أزياء عن آخر. ورغم ان شهرتها لم تظهر إلّا عند بلوغها سن 84، عندما كانت تحت الاضواء في حفل ميت غالا، إلّا أنّ هذا التحوّل في حياتها لم يسبب لها أي قلق. حتى أنها تنظر إلى إعجاب المتابعين ببلوغها سن المئة بعين عفوية متواضعة، حيث تقول: “لم أفكر في الموضوع. فكل إنسان لديه أسبابه للتعلّق بأمر ما. وهذه طبيعة الحياة. صحيح أنهم يتحدّثون عن ميلادي المئة، ولكن هذا الاهتمام لا يشعرني بالقلق”. ومع ذلك، فهي تجد في تركيز عالم الأزياء على عنصر الشباب تناقضاً غريباً عندما يتزامن اهتمامه ببلوغها مئة عام. ولهذا السبب، أطلقت على نفسها لقب “نجمة الشيخوخة”، في إشارة ساخرة إلى هذا التناقض. “من الحماقة أن تخفي المرأة عمرها الحقيقي وتحاول أن تبدو أصغر سناً، لأن عمر الإنسان يشكّل نعمةً ينبغي الاعتراف بها والامتنان لها”. وقد لعبت نظرة آيريس المتفائلة دوراً أساسياً في فلسفتها على الصعيد المهني، حيث تُعدّ الوجه الإعلاني لعلامة ZENNI، كما تعتبر أقدم شخص لديه صورة مع دمية باربي، وكان لها العديد من المشاريع المشتركة مع نخبة الأسماء من eBay إلى Etsy. وتبدو هذه المشاريع بعيدة كل البعد عن مسيرتها المهنية السابقة في تجديد المنتجات القماشية في البيت الأبيض “من الحماقة أن تخفي المرأة عمرها الحقيقي وتحاول أن تبدو أصغر سناً، لأن عمر الإنسان يشكّل نعمةً ينبغي الاعتراف بها والامتنان لها”.

الفستان، السعر عند الطلب، ميرا ميقاتي. جميع قطع الإكسسوار من مجموعة آيريس الشخصية.

اكتسبت آيريس خبرةً طويلةً في العمل كمحررة مقالات لدى مجلّة Women’s Wear Daily قبل أن تنقل اهتمامها إلى التصميم الداخلي، حيث تعاونت مع إلينور جونسون. وبعد أن تزوّجت من كارل أبفل عام 1948، استغرق الأمر سنتين ليقرّر الثنائي إطلاق علامة Old World Weavers المتخصّصة في مجال الأقمشة. نجحت العلامة في تحقيق مكانةً مرموقةً امتدت لعقود من الزمن، مما أتاح للزوجين الفرصة لزيارة العالم بحثاً عن أندر القطع الفريدة إلى حين تقاعدا من العمل بعد 42 عاماً. إلّا أن إغلاق Old World Weavers رسمياً عام 1992 لم يوقف آيريس عن العمل، نظراً لشخصيتها المفعمة بالطاقة والشغف. وفي الصباح التالي، اجتمعت آيريس مع فريقنا في فندق Colony Hotel الشهير في مدينة بالم بيتش، حيث لم تظهر عليها علامات التعب كونها لم تنم سوى بضع ساعات في الليلة السابقة. كما كشف فستانها عن حضور ساحر وشخصية حيوية.

القميص، السعر عند الطلب، ريمامي. جميع قطع الإكسسوار من مجموعة آيريس الشخصية.

وعندما سألتها عن سبب هذا التألّق، قالت لأنها تناولت وجبة فطور صحية، وذكّرتني بمقولتها لي ذات مرة بأن “الطعام يشكّل دائماً الحل المثالي” وخلال فترة التصوير، أذهلتني اقتراحاتها المميزة وآراؤها الهامة حول كل تفصيل، وأبدت تفاعلاً رائعاً عند تجريب أي قطعة جديدة مهما كانت عصرية أو غريبة، سواء القميص المزيّن بأنماط مرحة من الرسومات المطبوعة، والذي تم الحصول عليه من ريمامي، العلامة الفلسطينية الموجودة في دبي، أو المعطف الذهبي المزخرف من دار الأزياء اللبنانية، جيمي معلوف، أو حتى غطاء الرأس المبتكر من الريش على يد المصمم السعودي المصري زيد فاروقي.

الرداء، السعر عند الطلب، ماي باريس.

وتعاملت آيريس مع جلسة التصوير بروح مرحة وانفتاح لافت، رغم غرابة الأزياء المستعملة في الإطلالات والوقت الضيّق للتصوير. ولم تظهر عليها علامات التعب إلّا مع الانتهاء من العمل، خاصةً بعد أن تم تصويرها في وضعيات مختلفة وإطلالات متنوعة في عدّة مواقع من الفندق. وبغض النظر عن استراحة الغداء القصيرة وقضاء فترة بسيطة من المرح والتسلية، أبدت آيريس احترافيةً عاليةً وأداءً خارقاً في الانتقال بسرعة من لقطة إلى أخرى كما لو كانت في العشرين من عمرها. ومع انتهاء الجلسة، كشفت عن الأزياء التي نالت إعجابها وطلبت مني أسماء المصممين لشراء ما تفضّله من إبداعاتهم قبل عودتها إلى المنزل. ومن بين مجموعة واسعة من دور الأزياء العربية التي تواصلنا معها، أظهرت آيريس ميلاً واضحاً نحو القطع الملوّنة والتصاميم المزينة بالتطريزات والتفاصيل الدقيقة. ولعلّ ابتسامتها وهي توضّح سبب إعجابها بتلك الأزياء تكشف عن مشاعر صادقة، وتعكس في الوقت نفسه شخصيتها الحقيقة، حيث قالت “أحببت تلك التصاميم لألوانها الزاهية وحضورها الجريء، ولكونها استثنائيةً بكل معنى الكلمة. فقد تم ابتكارها بإخلاص وجهد كبيرين من أقمشة غاية في الجمال”.

المعطف، السعر عند الطلب، من تصميم ليلى موسى. جميع قطع الإكسسوار من مجموعة آيريس الشخصية.

قالت هذه العبارة مظهرةً انجذابها المباشر للمواد المستعملة التي أسرت قلبها، ثم اختصرت وصفها بالقول: “لقد أعجبتني فحسب”. وهي جملة قد تبدو الوحيدة والأفضل للتعبير عن سبب إعجابنا بأي شيء. ثم اختتمتُ مقابلتي معها بسؤالها عن الحكمة التي يمكن استخلاصها من أسطورة بلغت عامها المئة. ورغم أن عبارات آيريس وتجاربها موجودة في العديد من المواقع الإلكترونية، إلّا أنها أبدت بعض الحذر في تقديم أي نصيحة، وأخبرتني بأنها ليست في موقع يخوّلها توجيه الأشخاص كيف يعيشون. ولكنها قالت لي بأنها حاولت بكل بساطة أن تعيش حياتها بلا ندم. وعندها، تعمّقت في الحديث، وسألتها إن كان هناك أي معلومة تمنّت لو عرفتها في وقت أبكر. وكان جوابها بالنفي، حيث قالت: “أنا أعيش اللحظة ولا أشغل تفكيري بالوقت الذي اكتسبت فيه معارفي وتجاربي. فهذا النوع من التساؤلات يرهق تفكيري تماماً”. وهكذا، رأيت الشخصية الكلاسيكية لآيريس في أفضل صورها، حديثها المباشر، اندفاعها العفوي، حكمتها، وحضورها الرائع. “أنا أعيش اللحظة ولا أشغل تفكيري بالوقت الذي اكتسبت فيه معارفي وتجاربي”. 

اقرؤوا أيضاً: المصمم نجا سعادة يطلق مجموعته لفساتين الزفاف بإلهام من سحر الطبيعة

فريق العمل:

رئيسة التحرير: أوليفيا فيليبس
إخراج فني: أوسكار يانيز.
تنسيق أزياء: آنا كاستان
محررة التسويق: نور
بو عز. تصفيف شعر: جولين بونين
مكياج: سيج، من وكالة IMAJ Artists
المنتج التنفيذي: جيسي فورا.
الإنتاج: HG Producers Inc.
إدارة استوديو: جوانا دانا.
مساعدو تنسيق الأزياء: فيرونيكا جاروت، سينثيا كروزان
مساعدو تصوير: جان بيير فلوريس، كريج ميلر
شكر خاص لفندق Colony Palm Beach

الصورة الرئيسية: الفستان، السعر عند الطلب، بن شلال. الأساور من مجموعة آيريس الشخصية.