علامة أباديا تصدر التراث السعودي بمعايير عالميّة
من التفاصيل المستوحاة من التراث المحلي، وحتى الفروات التي تحاكي الأناقة العالمية، تحرص شهد الشهيل على تصدير التراث السعودي إلى مشهد الأزياء العالمي بمعايير عالية وحرفية لا تضاهى
في مشهد الأزياء السعودية، لن تضطروا إلى البحث مطوّلاً عن تفاصيل الهوية المحلية حتى تروها بوضوح، ولكن الصعوبة تكمن في تقديم التراث السعودي في إطار معاصر ومستدام، يُبرز جماليات هذه الهوية الأصيلة بشكل يناسب السعوديين والمهتمين بهذه الثقافة من حول العالم. وهذا ما تحرص عليه المصممة شهد الشهيل في علامة الأزياء السعودية أباديا.
ورثت شهد شغفها بعالم الأزياء من خالتها نعيمة الشهيل، التي أسست علامة تحمل اسمها للأزياء الراقية في السعودية “حببتني بعالم الأزياء وألهمتني طريقة اختيارها للأقمشة واهتمامها بكل التفاصيل في عملية التصميم، لدرجة أنها كانت تقول للخياطين ‘إن لم تعجبك هذه القطعة فلا تقم بخياطتها’، حيث كانت حريصة على أن تحمل كل القطع مشاعر الحب من بداية العمل عليها وحتى النهاية. تعلمت منها الكثير في تلك المرحلة”.
تختلف علامة نعيمة الشهيل التي تركز على الطلبات الخاصة والأزياء الراقية، عن علامة أباديا. إذ أرادت شهد مع خالتها نعيمة أن تؤسس علامة سعودية للأزياء الجاهزة، تمثل الثقافة والإرث في المنطقة وتدعم الحرفيين المحليين، وقد سجلت هذه العلامة حضورها في أسبوع الموضة في باريس عام 2018. ولكن طموح شهد كان أكبر من مجرد بناء علامة أزياء، إذ توضح “كنت كمعظم الفتيات مهتمة بهذا المجال ولكن مسيرتي المهنية أخذتني إلى طريق مختلف، درست إدارة الأعمال، وكان تركيزي الأكبر هو أن أؤسس علامة لها تأثير كبير على المجتمع”. رأت شهد في الأزياء وسيلة لإحداث التغيير وعملت على مشاريع تطوير عالميّة في تركيا وأرمينيا والهند. وأثناء تواجدها في الهند، وقعت حادثة انهيار مصنع للملابس في بنغلاديش عام 2013، وكانت سبباً في بداية مشوارها في عالم الاستدامة، “كنت أتساءل، كيف يمكن أن أكافح الفقر في مكاني، وتُلحق اختياراتي البسيطة، مثل اختيار قميص عادي، الأذى على أشخاص في مكان آخر من العالم”.
في تلك السنة فُتحت عينا شهد على الجانب الخفي في صناعة الأزياء، واختارت أن تتعمق فيه، وتكتشف حقيقة الملابس التي تصل إليها، “بدأت في تلك المرحلة بنشر الوعي عن مصدر الأزياء التي تبيعها العلامات الكبرى، وأنشأت دليلاً يمكّن الناس من معرفة كل المعلومات اللّازمة عن العلامات الكبرى. كانوا يقولون لي في ذلك الوقت أن المستهلك لا يهتم لكل ذلك، ولكنني لم أقبل بهذا الجواب، فالمستهلك لا يعلم أساساً بحجم الضرر الناجم عن صناعة الأزياء”. كانت هذه هي البذرة الأولى التي نمت منها فكرة علامة أباديا كمشروع داعم للاستدامة، ويساهم في تطوير الصناعة والحرف المحلية.
ومن منطلق دعم الحرف المحلية، حرصت شهد الشهيل على أن تضم مجموعاتها تفاصيل تراثية حقيقية، وتقول “عندما ترون السدو الذي يزين تصاميمنا، فستجدونه سدو حقيقي صنعته إيدٍ حرفية، ليس طباعة أو صورة مثلاً بل هو مثال على الحرفية المحلية العالية”. لا يتوقف دعم هذه العلامة السعودية للحرفيّين في المنطقة عند هذا الحد بل تحرص على أن تزيد نسبة هذه التفاصيل في كل مجموعة تطلقها “الأزرار التي تُستخدم في تصاميم علامة أباديا هي مصنوعة من قِبل حرفيين وحرفيات، وتدخل تفاصيل أخرى في التغليف وما إلى ذلك. هذه الحِرف ليست محصورة في خط أزياء واحد إنما نحاول أن ندخلها في كل خطوات الإنتاج”.
تؤكد شهد على رؤيتها هذه، بمساعدة الحرفيات من السعودية، الإمارات، مصر، ولبنان. كما أنها تعتمد اعتماد كلي على الإنتاج المحلي في مشغلها الخاص الواقع في لبنان. “الأزياء والحرف هي طريقتنا في التواصل مع العالم، هي طريقة نروي بها قصص حضارتنا، ونحن نملك القدرة على إيصالها عبر ما نقدمه في أباديا. منذ بداية تأسيسها، أردنا أن نبدأ علامة تحمل الهوية العربية ويمكن أن تُرى في إطلالة أي امرأة من أي مكان حول العالم”.
ومع أذرع أباديا الممتدة عبر بلدان الوطن العربي، كان وقع أزمة فيروس كورونا أكبر عليها “توقف العمل لفترة وجيزة خلال الأزمة، ولكن خبرتي في عالم الأعمال ساعدتني في تنظيم عملية التواصل بين الفريق منذ إنشاء العلامة، وهذا ما ساعدنا في المحافظة على إيقاع التواصل فيما بيننا باستخدام المنصات المتاحة مثل Zoom وغيره، حتى أننا كنّا نضطر لإرسال العينات لمراجعتها في كل مرة. المضحك هو أنني كنت قد اعتدت على إدارة الأعمال عن بعد أن أنجبت طفلي ولم أتمكن من السفر بحرية قبل بداية الأزمة”.
ألقت أزمة فيروس كورونا بثقلها في شهر مارس 2020، وتكبد مجال الأزياء تحديداً خسائر فادحة في تلك الفترة، إلا أن شهد رأت في هذه الأزمة فرصة للتواصل مع عملائها في جلسات صناعة السدو عند بُعد والحوارات التوعوية المصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبحلول شهر رمضان المبارك، وبعده موسم الشتاء والفروات، عاودت العلامة العمل من جديد وتمكنت من تغطية خسائرها خلال العام.
وإن كنتم على معرفة مُسبقة بفروات أباديا، فيمكن أن تتفهموا السبب وراء ذلك؛ فهي من أكثر القطع الشتوية طلباً في منطقة الخليج، حيث تَبث العلامة روحاً عصرية وأنيقة في هذه القطعة التراثية التي تعارف على ارتدائها الرجال في الوطن العربي، فلفتت أنظار أكثر السيدات أناقة، من ضمنهن جلالة الملكة رانيا العبد الله، زوجة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني التي تألقت بها في حفل تخرج ابنتها سلمى من الأكاديمية العسكرية الملكية ساندهيرست في بريطانيا عام 2018. لا شك أن هذه القطعة تحديداً هي أساس علامة أباديا، وهي القطع التي تختارها شهد حتى تورثها لبناتها في المستقبل “كانت الفروات متواجدة في مجموعات علامة أباديا منذ البداية، وكنّا حريصين على أن نقدمها للسوق العالمي كقطعة شتوية تمثل تراثنا وتاريخنا”.
في أحدث مجموعاتها، وتماشياً مع رؤيتها في خلق أزياء مستدامة تتناسب مع كل وقت وكل زمان، أعلنت علامة أباديا تغاضيها عن الموسم والسنة في مجموعاتها وإطلاقها بالأرقام، انطلاقاً من المجموعة رقم 9 التي تطرحها هذا العام، وكان بالصدفة رقماً يمثل الإنجاز والحكمة. وقد ضمّت هذه المجموعة الأنيقة الفساتين الناعمة، والقفاطين الواسعة مع البنطلونات والقمصان الكلاسيكيّة بألوان وخامات مريحة، حتى تعطي السيدة المعاصرة خيارات عصرية يمكن أن تحتفظ بها في خزانتها لسنوات طوال. وبهذا يتحقق هدف الاستدامة الذي وضعته شهد نصب عينيها منذ الخطوة الأولى.
اقرؤوا أيضاً: 24 ساعة في حياة المصممة الأميرة ريما نهار آل سعود
نشر للمرة الأولى في عدد هاربرز بازار السعودية لصيف 2021
