محررة الأخبار في هاربرز بازار السعودية ترصد التغييرات العظيمة في المملكة
محررة الأخبار المتعاونة مع هاربرز بازار السعودية، لبنى هدايت حسين تكتب بشغف عن التغيير الذي شهده وطنها في السنوات الماضية وفخرها الكبير به
مضى أكثر من عقدٍ من الزمن منذ أن كتبتُ حول أي موضوع بصفة رسمية. وفي الحقيقة، تمحورت أغلبية كتاباتي حول عبثية حياتنا قبل 20 عام، وتنوعت هذه المواضيع حتى وجدتُ نفسي أسلط الضوء على غياب الشفافية في تحديد المسؤولية عند معالجة هذه القضايا.
عشتُ في وقت لا يُسمح فيه للنساء بزيارة متاجر الموسيقى أو ارتداء العبايات المطرزة والملونة، حينها كانت المرأة المسنة تحتاج إلى إذن من أحفادها المراهقين حتى تتمكن من مغادرة البلاد. ودفعني شعوري العميق بالانتماء وحبي لبلادي إلى العمل على معالجة هذا الوضع.
وعلى الرغم من اعتراضي على هذا الوضع، إلا أنني لطالما شعرت بالفخر وبالغ الشرف لكوني سعودية. لقد اخترتُ الإقامة في الرياض وتربية ابنتاي هنا. وبرغم الفرص المتاحة أمامي للبحث عن مستقبل في مكان آخر، إلا أن هذه البلاد هي مكاني المفضّل في العالم.
سمو الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، أول سفيرة سعودية لدى الولايات المتحدة الأمريكيّة.
اعتدتُ زيارة الأماكن المقدسة في وقت فراغي قبل أزمة كوفيد19، وهو شرف كبير وميزة رائعة لمن يحيا هنا. وأعتقد أن ممارسة شعائر العبادة في مكة المكرمة والمدينة المنورة هي أكبر هدية، وأنا مدينة للمملكة لأن أتاحت لي هذه الفرصة الاستثنائية.
على الرغم من وجود بعض المسائل، إلا أن المملكة تعني أكثر من ذلك بكثير. لطالما ضمت المملكة جمالاً وتنوعاً ثقافياً نادراً وكرم ضيافة لا مثيل له. ولا يمكن لأحد إغفال الود واللطف والكرم الذي يتمتع به السكان، وهذه الصفات كافية للتعويض عن الغموض الذي أحاط المملكة في السابق. يمكن إلقاء اللوم على التقارير المضللة والصحافة الصفراء، لكننا كسعوديين، نتحمل جزءاً من هذا اللوم أيضاً؛ فكيف يمكن للسعودية أن تظهر بصورتها الحقيقية وأبوابها موصدة أمام الزوار من الخارج؟
وقد اختصر سفير أمريكي سابق في المملكة ذلك بقوله: «تفاجئ المملكة زوارها بصورة إيجابية لم يتوقعوها». تكمن المفارقة في القيود المفروضة على السفر إلى المملكة، حيث حافظت هذه القيود على صورتها النمطية السلبية إلى حد كبير دون أن يحاول أحد تصحيحها.
وكان واقع المرأة السعودية أكبر مكامن سوء الفهم على الإطلاق؛ فقد تأطرت صورتها بالمرأة المحجبة وغير القادرة على قيادة السيارة على الرغم من أن أكثر من نصف خريجي الجامعات من الإناث، اللواتي يتمتعن بالثقافة والانفتاح والشغف نحو النجاح. وسيصاب العديد من الزوار بالدهشة من ثقافة المرأة السعودية وحديثها المميز. أعتقد أن المرأة هي عماد أي مجتمع، وينطبق ذلك على السعودية. وكما قلت في حديثٍ عن الحجاب منذ عدة سنوات: «قد تكون رؤوسنا مغطاة، إلا أن عقولنا منفتحة».
من عرض أزياء صافية حسين جراس بالتعاون مع لومار في الرياض، تصوير هاشم ستوديو
واليوم، أكتب هذا المقال في مشهد مختلف تماماً للحياة السعودية. تشهد البلاد تحوّلاً ملحوظاً لم أعتقد أنني سأشهده خلال حياتي.
وفي ظل هذه المتغيرات، اتخذت هاربرز بازار خطوة جريئة وغير مسبوقة، لمجلةٍ في مكانتها العالمية، تمثلت بإطلاق نسختها الخاصة بالمملكة. يمكنني وصف هذه الخطوة بالرائدة في مجال تمكين المرأة السعودية لكشف النقاب عن دورها الحقيقي في هذه الأوقات المميزة التي تشهدها البلاد. في الوقت الذي تبذل فيه إمرأة بمنتهى الحكمة والإصرار مثل صاحبة السمو الملكي الأميرة ريما بنت بندر، سفيرة المملكة في الولايات المتحدة الأمريكية، جهوداً كبيرة في الدفاع عن حقوق المرأة من واشنطن. ولا ننسى أهمية وجود امرأتين تعملان كسفيرات للاتحاد الأوروبي في البلاد في إلهام الشابات السعوديات. وقد استضافت إحداهن، وهي سعادة دومينيك مينور، سفيرة بلجيكا لدى المملكة، مؤخراً عرض أزياء من تصميم صديقتي العزيزة الأميرة الموهوبة صافية حسين جراس والمصمم كريستوف بيوفيز بالتعاون مع علامة لومار. سلط العرض الضوء على جمال وأناقة العباية السعودية ضمن أجواءٍ تضاهي برقيها عروض لندن وباريس أو حتى نيويورك، وعكس شغف المرأة السعودية بهويتها وثقافتها الفريدة ورغبتها في مواكبة الموضة.
تشارك المرأة حالياً بالعمل في العديد من الهيئات الحكومية السعودية. وبناءً على وتيرة الإصلاحات الحالية، أتوقع لها استلام إحدى الوزارات قريباً، رغم أن هذا الأمر لم يكن ممكناً منذ عدة سنوات في حقيقة الأمر، لا يمكن لأي أمة أن تضمن مسيرة ثابتة من النمو. هناك الكثير من الإصلاحات المنتظرة، ويعدّ ارتكاب الأخطاء جزءاً من هذه العملية الشاملة. لا يمكنني الادعاء بأننا مجتمع مثالي، أو أمة نموذجية أو حتى قريبة من الكمال. هناك العديد من الجوانب التي لا أوافق عليها، ولكن هذا هو الحال في جميع البلدان. وهذا ما سيتيح لنا فرصة التأمّل وتصويب مواقفنا ومراجعة سياساتنا.
وبالنظر إلى الصورة الكلية، فإننا نتحرك بالاتجاه الصحيح، وبسرعة الضوء أيضاً عندما نقارن بما كنا عليه قبل نصف قرن. التطور الذي أحرزته البلاد خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة رائع للغاية.
فتحت المملكة أبوابها أخيراً أمام الزوار من حول العالم لتكشف لهم السعودية الحقيقية. وكما يقول معالي وزير السياحة أحمد الخطيب عند دعوة الناس لزيارة المملكة «تعال وشاهد بعينيك، لا بأذنيك».
لا شك أن هذه التجربة ستغير بعض الانطباعات وستساهم في استقطاب الزوار، وهي خطوة كبيرة في الانفتاح على العالم الخارجي وتجسيد واقعنا الحقيقي، أشخاص عاديون يتشاركون ذات الأحلام والآمال والتطلعات لأطفالهم كأي شخصٍ آخر حول العالم.
أتذكر حفل عشاءٍ استضافه أحد الدبلوماسيين مؤخراً وحضرته أنا مع مجموعة من مثقفي المملكة؛ حيث تناوبنا في الإجابة على سؤال «ما هو التغيير الأكبر الذي طرأ على حياة كل منا؟» وقد شغل تفكيري هذا السؤال بعد مغادرتي الحفل، لأن التغييرات عديدة ومؤثرة واستثنائية. وفي الماضي، كنت سأجيب عن سؤال كهذا بأسلوب تقليدي مفاده «لم يحدث تغيير جوهري في حياتي، ولكنني آمل أن تشهد بناتي هذه التغييرات إن شاء الله». لم أكن أسمح لنفسي حتى بالتفكير بإصلاحاتٍ تتجاوز المسائل السطحية وتسير بخطى بطيئة. واليوم أشهد إصلاحاتٍ لم أكن أحلم بتحقيقها. البلد التي لم أعتقد أن ابنتاي سترغبان بزيارته أصبح البلد التي اختارتا العيش فيه اليوم. حيث تتطلعان لمستقبل واعد تجدان فيه المساواة في الأجر والاحترام وتكافؤ الفرص مع الذكور.
توجهتُ مرة بزيارة إلى عود سكوير في الحي الدبلوماسي عندما سُمح للنساء بالقيادة للمرة الأولى، وسألت شابة تخرجت حديثاً من الجامعة عن اختلاف أسلوب حياتها، وشعورها بالحرية التي اكتشفتها حديثاً وعن تطلعاتها المستقبلية. فأجابتني بابتسامة عريضة: «للمرة الأولى في حياتي، أشعر أنني يمكن أن أحلم». توقفتُ كثيراً عند هذه الإجابة، فالانتماء لأمةٍ تتحلى بالأمل، قد يكون هو التغيير الأكبر على الإطلاق.
اقرؤوا أيضاً: غلاف هاربرز بازار السعودية من موطن الحالمين، نيوم
نشر هذا المقال للمرة الأولى في عدد هاربرز بازار السعودية، مارس 2021
