هل أستلهمت قصة مسلسل الصفقة من أحداث حقيقية؟ الكاتبة ناديا أحمد تكشف السر

تكتب ناديا أحمد تفاصيل مشاركتها في كتابة سيناريو و قصة مسلسل الصفقة من إنتاج نتفليكس، وتكشف تجربة والدتها في العمل في وسط يهيمن عليه الرجال خلال ثمانينيات القرن الماضي، وكيف ألهمتها هذه التجربة ودفعتها لمواجهة التحديات ورفض الاستسلام تحت أي ظرف كان. 

نتفق جميعاً أن فترة الثمانينيات كانت فترة مميزة واستثنائية على جميع الأصعدة، فكل شيء حينها كان يلفت الانتباه بدءاً من الموسيقى الصاخبة وتصفيفات الشعر الغريبة والملابس الملّونة بتصاميمها المختلفة، وصولاً إلى تمارين الأيروبيك التي تبدو وكأنها من كوكب مختلف. إلا أن وفرة المال في ذلك الوقت كانت أكثر ما يلفت الانتباه. ويمكن القول أن الثمانينيات في منطقة الشرق الأوسط كانت مرحلة التناقضات بجدارة، فعلى الرغم من الحجم الهائل للثروات التي بدأت بشق طريقها نحو التطور في مجال التصنيع والتحديث، إلا أن السيدات كُنّ بعيدات تمام البعد عن المساهمة الفعالة في تلك الفترة، باستثناء قلة قليلة من المحظوظات اللواتي تمكنّ من رفع أصواتهن عالياً لتسليط الضوء على أنفسهنّ وإثبات حضورهنّ في بيئة يهيمن عليها الرجال. وكان على السيدات بذل جهود مضاعفة لإثبات حضورهن واستقلالهن، وللتأكيد أمام الجميع أنهن يمتلكن المهارات والأفكار اللازمة للمساهمة في تطوير أي مجال.

وأتذكر جميع التفاصيل حول والدتي التي ربتني بمفردها، كيف كانت تتأنق كل صباح بتنانيرها الضيقة والسراويل المميزة وترتدي أحذية الكعب القصير والسترات بأكتاف بارزة والتي تصل إلى مستوى الخصر وقصة شعرها المستوحاة من شعر الأميرة ديانا، دون أن أدري أنها كانت تستعد للقتال في بيئة عمل ذكورية وهي بكامل أناقتها. تميزت والدتي بموهبة مميزة في مجال الاقتصاد، ولطالما كانت شغوفةً في قطاع الاستثمار وإيجاد حلول لتحدياته اليومية. إلا أن الطريق أمامها لم يكن مفروشاً بالورد كما هو الحال بالنسبة للرجال، بل كان عليها أن تبذل الغالي والنفيس لتصنع لنفسها اسماً. وعلى الرغم من النجاحات المذهلة التي حققتها والدتي، إلا أن هدفها في بداية الأمر لم يتعدى الحصول على وظيفة ثابتة بأجر مرتفع لتتمكن سداد تكاليف تعليمي الخاص.

ولطالما شعرتُ بالفخر بوالدتي التي كانت ومازالت مصدر إلهام بالنسبة لي منذ أن كنت طفلة صغيرة، وأتذكر تماماً كيف كنت أنظر إليها بعينين تفيضان إعجاباً بها وبدائرتها الاجتماعية التي تضم نخبة من السيدات الأذكياء، وكيف عملن سويةً دون تعب لتحدي المألوف. كانت السماء حدوداً لطموح والدتي وصديقاتها، وهذا ما دفعهن لمواصلة القتال في سبيل تحقيق أحلامهن، وأنا ممتنة أنني تعلمت هذا الدرس في صغري. وقررت أن أصبح مثل والدتي عندما أدركت أنني سأقع ضحية للضغوط الاجتماعية التي لا تفرق بين طفلة وامرأة. حاولت أن أعيش حياتها وتفاصيل عملها التي كانت تخبرني بها يومياً قبل النوم، فكنت أصفف شعري مثلها وأضع أحمر شفاهها وأتجول في أرجاء المنزل مرتديةً أحذية الكعب بينما أحمل في يدي أحد الملفات التي تحضرها من العمل متظاهرةً وكأنني أدخل إلى غرفة مجلس الإدارة المليئة بالرجال الذين يرتدون الدشداشة. لم ترضخ والدتي وصديقاتها للضغوط التي تملي على السيدات ما الذي يجب عليهن فعله، ولم تقبل بالحدود المفروضة عليهن والتي لا تتعدى واجبات المنزل وتربية الأطفال. 

هنا يأتي دور قصة مسلسل الصفقة

تروي قصة مسلسل الصفقة على Netflix قصة كل من فريدة ومنيرة، وهما شخصيتان قويتان طموحتان يمثلن شريحة السيدات اللواتي أعجبت بهن في صغري. وتدور أحداث المسلسل في الكويت بعد سوق المناخ في فترة يسودها النزاع، إلا أن استمرار تدفق الثروة النفطية ساعد على ازدهار قطاع الاستثمارات وإدارة الأصول، ويعكس سوق الأسهم الكويتية قمة التقدم في الخليج فهو مركز للاقتصاد المزدهر والمتقدم. ويسلط المسلسل الضوء على حياة فريدة، وتجربتها الصعبة بعد أن نالت حريتها من زوجها السابق وكيف وجدت نفسها بحاجة للعمل بجهد حتى تتمكن من إعالة نفسها مادياً لتضمن لابنتها جود حياةً كريمة في المستقبل. ويظهر العمل إصرار فريدة على تحقيق الأفضل لها ولابنتها، فتقرر أن تقتحم أكثر القطاعات المربحة في الدولة متسلحةً بثقتها بنفسها ومستعينةً بمهاراتها في الاقتصاد الرياضي. وتنضم فريدة إلى قريبتها منيرة، الشابة الذكية والماهرة في الأعمال التجارية، والتي تقلب الموازين بجاذبيتها ومنطقها الذكي كلما وطأت قدمها أرض البورصة المكتظة بالرجال. وتجسد شخصية منيرة مثالاً يحتذى به للسيدة العاملة في الثمانينيات، وكيف كان عليها أن تبذل جهوداً مضاعفة قبل أن تأخذ نصيبها من الفرص المذهلة التي يعرضها سوق البورصة في تلك الفترة. ويتابع العمل رحلة الشابة التي تعمل على إثبات وجودها بين عمالقة البورصة من الرجال، وسرعان ما تكتسب المهارة في التجارة وتتعلم اتخاذ القرارات الصعبة في المواقف الحاسمة التي غالباً ما تقف فريدة أمامها حائرة. وتتميز الشخصية بأنها تمثل امرأة مستقلة صاحبة إرادة قوية لا ترضخ للقوانين المتعارف عليها، وأردتُ أن اختصر فيها جميع النساء الملهمات اللواتي أعجبت بهن منذ الصغر وحتى الآن.

ويصور مسلسل الصفقة واقع السيدات في الشرق الأوسط، حيث ما يزال على النساء التضحية بشكل يومي قبل الحصول على جزء من حقوقهن الطبيعية في المجال المهني. ويجب علينا دائماً أن نستمد القوة والأمل من قصص السيدات الشجاعات اللواتي رفضن الرضوخ للمألوف وبادرن باتخاذ قرارات لم يسبقهن أحد على اتخاذها. ويؤسفني أنه بعد 40 عاماً ما يزال علينا نحن السيدات تقديم نفس التضحيات في سبيل تحقيق النجاح وأشعر بفضل تجربة والدتي وصديقاتها أنني أكثر قوةً واستعداداً لتحدي هذه الظروف ومواجهتها. فأنا لست وحيدة اليوم، بل أنا محاطة بجيل جديد من السيدات والشابات المستعدات لخوض هذه الرحلة معي. أشعر بالفخر بالتقدم الذي نحرزه والمعرفة التي نكتسبها في رحلتنا للوصول إلى مستقبل أفضل، كما أشعر بالفخر بجميع زملائي الذين أعمل معهم في فريق واحد. ويسعدني أن أجد عدداً من الرجال الأقوياء المستعدين لدعم السيدات ومساندتهن في طريقهن نحو النجاح، ويجب ألا ننسى أن مستقبل البشرية جمعاء يتوقف على مستقبل النساء.

لنرفع أصواتنا عالياً ونساند بعضنا، ولنتحد سويةً كما فعلت النساء في الثمانينيات عندما تحدينّ جميع القيود، ولأجل جميع النساء وحقهنّ في الاستقلالية والتعبير عن الذات، ولكسر الصورة النمطية المرتبطة بالنساء والواجبات المفروضة عليهن سلفاً، ولأجل النساء ممن يدافعنّ عن حقهنّ في التعلّم، ولأجل جميع النساء العربيات أينما كُنّ، ولأجل جميع الرجال الداعمين لقضاياهنّ المحقّة، لنعيد معاً أمجاد الثمانينيات ولنكن محط الأنظار مجدداً.

بدأ عرض مسلسل الصفقة على نتفليكس يوم 8 فبراير. شاهدوه هنا: www.netflix.com

الصورة الرئيسة ناديا أحمد، كاتبة مشاركة في مسلسل الصفقة، وروان مهدي ومنى حسين مجمتي المسلسل.