
عروض حفرت في الذاكرة: نسترجع أبرز عروض الأزياء في تاريخ صناعة الموضة
انطلاقاً من روح موضوع عددنا الجديد – الشخصيات الرئيسية – تسترجع بازار العربية مشاهد سريالية رائعة وأنيقة سجلت في التاريخ باعتبارها لحظات الخالدة في هذه الصناعة
ما هو العامل المشترك بين الشامان وعروض علامة شانيل المستوحاة من أجواء متاجر البقالة، وليدي غاغا؟ لقد شاركوا جميعهم في صنع أبرز عروض الأزياء في تاريخ صناعة الموضة. وانطلاقاً من روح موضوع عددنا الجديد لهاربرز بازار العربية، فإننا نسترجع تلك اللحظات التي دخلت تاريخ الموضة من أوسع أبوابه، بعد أن أحدثت ضجة على الإنترنت، وبأفكار بارعة تلهم صور الميم التي يتناقلها الجمهور، وحققت إنجازات مذهلة في تصميم الأزياء وقدمت طرق سحرية استغل بها المصممون الطبيعة.
تقول المصممة والمستشارة الإبداعية، ناتالي ريدل، “أحب مشهد عروض الأزياء المتقنة، والأجواء التي تخلقها، ولحظات التشويق التي تملأ الأجواء، وتلك اللحظة التي يتساءل فيها الجمهور “كيف فعلوا كل ذلك؟ كل ذلك يساهم في صنع مجموعات لا تُنسى تبقى في أذهاننا لفترة طويلة بعد انتهاء الموسم.”
بداية المشهد
نبتت أول بذور عروض الأزياء العصرية في باريس وكان ذلك في منتصف القرن التاسع عشر، حيث بدأ المصمم البريطاني الشهير تشارلز فريدريك وورث في الاستعانة بعارضات الأزياء لعرض تصاميمه. في ذلك الحين، كان هذا مفهوماً فريداً حيث كان المصممون يستخدمون التماثيل (المانيكان) فقط لعرض الأزياء. تبع ذلك بقية العالم، وبحلول أوائل القرن العشرين، انطلقت “عروض الأزياء” في لندن ونيويورك. وكما كان الحال مع عروض صالونات باريس، كانت هذه العروض مناسبات حميمة تستهدف المشترين وليس الصحافة. في الواقع، كان التصوير الفوتوغرافي ممنوعاً عادةً لتقليل فرصة تزييف وسرقة التصميمات.
لجأت المتاجر الشاملة الأمريكية إلى النمط المسرحي نوعاً ما. وكان عرض Wanamakers لعام 1908 بمثابة إعادة تمثيل لمحكمة نابليون وجوزفين، مع استكمال المشهد بظهور طفل يرتدي زي خدم الإمبراطور. قدمت هذه العروض فكرة منصة العرض المرتفعة، والذي كان يشبه إلى حد كبير المسرح أكثر من أي وقت مضى.
في عام 1947، على يد كريستيان ديور، تبلورت فكرة عروض الأزياء لتجسد العروض النادرة التي تهدف إلى الدعاية. لم يعيد مصمم الأزياء الفرنسي اختراع أسلوب مميز يجسد العصر فحسب، باستعراض أيقونة الأطلالة الجديدة وهي التنانير مرتفعة الخصر، بل أسس قواعد الموضة عندما خالف التقاليد ودعا المصورين إلى كشف النقاب عن أولى مجموعاته الراقية للجمهور والتي حملت اسم “كورول”.
ومع ذلك، لم تكن عروض الأزياء مناسبات علنية، أي حتى ستينيات القرن الماضي، عندما نقل عدد قليل من المصممين عروضهم من الصالونات المعتادة، وقاعات الحفلات، والفنادق إلى مواقع غير متوقعة. فنرى بيير بالمان وقد عرضه لربيع عام 1965 في قبو، بينما عرض باكو رابان مجموعته لعام 1966 في ملهى كريزي هورس في باريس.
الوصول إلى العالمية
اليوم، يواصل العديد من المصممين التفكير في مواقع غير تقليدية لتقديم مجموعاتهم فيها. ويمكن القول إن أحد أكثر العروض إثارة للدهشة كان عرض فندي لعام 2007 الذي أقيم في سور الصين العظيم، الذي يبلغ عمره 2000 عام ويبلغ طوله 1500 ميل. وبرغم ذلك، ولحسن حظ العارضات، البالغ عددهن 88 عارضة، أقيمت منصة العرض على جزء صغير نسبياً من الجدار. استغرق التخطيط لهذا العرض عاماً كاملاً وتكلف 10 ملايين دولار (36.7 مليون درهم)، وحضره 500 ضيف. وبحسب ما ورد، كان من الصعب للغاية تأمين التراخيص اللازمة له، فقد حدث العرض بأكمله بشكل شبه غير رسمي. وللأسف أو ربما لحسن الحظ، حسب موقفك من وسائل التواصل الاجتماعي، لم يكن إنستغرام موجوداً بعد، لذلك سجلت قنوات التلفزيون هذا العرض في الغالب.
لم يكن هذا هو الحال بالنسبة لعروض جاكيموس لربيع/صيف 2020 و2021، حيث أقيمت عروض الأزياء الرائعة هذا وسط حقول اللافندر والقمح على التوالي، وصوّر ونشرت الصور على إنستغرام وانتشرت بشكل كبير من قبل المدعوين، ومن بينهم كاميل شاريير وآن لوري ميس.

في 12 يوليو 1998، قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي بوقت طويل، قدم إيف سان لوران عرضاً نجح في الوصول إلى الجماهير بعيداً عن صحافة الموضة عندما أقامها في ملعب مباع بالكامل خلال نهائي كأس العالم. وتضمن عرض الأزياء، الذي شاهده 84,000 من مشجعي كرة القدم و1.7 مليار مشاهد عبر التلفزيون، أكثر إبداعات المصمم شهرة، من بدلة Le Smoking النسائية الشهيرة إلى فستان موندريان.
ناسجو الأحلام
لا تعرف سارة بلونشتاين المستحيل، فلديها مهارة جعل ما لا يمكن تحقيقه ممكناً. وبصفتها مؤسِّسة وكالة الإبداع الشهيرة Blonstein، أنتجت هي وفريقها بعضاً من أكثر العروض التي لا تُنسى في تاريخ الموضة، وذلك لمصممين مثل حسين شالايان ومولي جودارد وريتشارد كوين، على سبيل المثال لا الحصر. وقد تعاونت بلونشتاين منذ فترة طويلة مع روكساندا، وأنتجت الوكالة بعضاً من أكثر عروضها البارزة حتى الآن.
تتذكر سارة قائلة: “أقمنا خمسة عروض في جناح معرض سربنتين، وهو منحوتة معمارية تتغير سنوياً نحولها إلى منصة عرض في كل مرة.” وتضيف “وفي موسم خريف/شتاء 2019، وكجزء من التعاون مع آرت تريو ترويكا، وضعنا خمسة أطنان من الملح داخل فندق مهجور. وفي موسم آخر قمنا بموازنة الأشرعة المتلألئة الضخمة لرنا بيغوم في قاعة دنبار الرائعة، وهي مساحة حكومية مخفية مقابلة لداونينج ستريت.”
وفي نفس المكان، Grand Palais في باريس، ابتكر كارل لاغرفيلد، المدير الإبداعي السابق للعلامة شانيل، مجموعات عرضه الخاصة والتي تضمنت كاروسيل ومحطة مطار وحتى سوبر ماركت، وأكملها بعرض أزياء شانيل الشهير بديكورات محلات البقالة التي تحمل شعار العلامة.
قالت ناتالي بحماس: “كانت المجموعات الفخمة وغريبة الأطوار التي حلم بها الراحل كارل لاغرفيلد في شانيل في كثير من الأحيان متوقعة مثل المجموعات نفسها.”
عروض أزياء رائعة لم تخصص ميزانيات ضخمة
ليس شرطاً أن تكون عروض الأزياء الرائعة، التي بقيت عالقة بالأذهان، قد خصصت ميزانيات باهظة لعروضها. عندما قدم مارتن مارجيلا مجموعته الافتتاحية لربيع/صيف 1989 في Café de la Gare في باريس، رسم نعال أحذية العارضات المستوحاة من شكل الحوافر (أحذية Tabi الشهيرة الآن) بالطلاء الأحمر، لإبراز جمال منصة العرض القماشية. وبعد موسمين، أقام عرضاً في ملعب للأطفال حيث ركض الأطفال، الذين تمت دعوتهم لمشاهدة العرض مع والديهم، على المنصة وأحدثوا جواً من الفوضى والمرح. واعتبر أولئك الذين حضروا العرض الذي استغرق 17 دقيقة، بما في ذلك الشاب راف سيمونز، الذي كان متدرباً في ذلك الوقت، أنه لحظة فارقة في عالم الموضة.
عروض الأزياء في الأجواء الممطرة
عند تنظيم عرض في الهواء الطلق، يكون الوضع مرهوناً بحالة الطقس؛ حسناً، أما بالنسبة للمدير الإبداعي نيكولا غيسكيير، الذي استأجر شاماناً لوقف المطر في عرض مجموعة Cruise 2019 للعلامة لويس فيتون، فالأمر يختلف تماماً. وبالنسبة للمصممين الآخرين، فقد قاموا بالعكس حيث استحضروا الأجواء الممطرة إلى داخل صالات العروض. وفي حديثها عن مجموعة غولدن شورز الشهيرة، تقول سوزي منكس، مقدمة البودكاست والرائدة في تحرير أخبار الموضة: “لقد أذهلتني الطريقة التي سقطت بها المياه مثل الدموع على الأجسام المتحركة في عرض ألكسندر ماكوين لربيع 1998.”
ما وراء مشهد منصة عرض الأزياء
إذا نظرنا إلى الجهد المبذول لإخراج عرض أزياء واحد إلى النور، سنجد أنه قد يبدو من العار أن ينتهي الكثير من هذه العروض في أقل من 15 دقيقة. ولحسن الحظ، قام بعض المصممين بإطالة المشهد بتحويل العرض إلى أداء كامل. إذا نظرنا إلى جون غاليانو، سنجد أنه قدّم عرض أزياء ديور لقطع الهوت كوتور لموسم ربيع/صيف 1998 على الدرجات الرخامية لدار أوبرا Palais Garnier في باريس، في مشهد لعزف الأوركسترا وراقصات التانغو. وقد بدا الحدث الأشبه بالمسرحية متماشياً مع روح عروض المتاجر الشاملة تلك التي شهدناها في أوائل القرن العشرين.
تشهد العروض ذات الطابع المسرحي نهضة، هكذا علقت سارة قائلة: “تعد العلامة S.S Daley رائدة في هذا النمط من عروض الأزياء، حيث برز هذا النمط في عروضها خلال المواسم القليلة السابقة ومازال مستمر. أولاً، قدمنا عروضاً في المسرح الوطني للشباب لتمثيل مسرحية تبرز المجموعة التي قمنا فيما بعد بدمجها بسلاسة في العرض، وهذا الموسم قدم السير إيان ماكيلان مناجاة في نهاية العرض.”
أما عن ليان ويجينز، رئيسة قسم الملابس النسائية في موقع Matches Fashion، فنجد أنها تفوقت بأدائها المفاجئ في العرض. “كان العرض رائعاً ومذهلاً ومبتكراً”، هكذا قالت بحماس.
كذلك، فاجأ هاريس ريد رواد العرض بمقطوعة شعرية، ألقاها نجم الشاشة الفضية المحبوب، فلورنس بوغ. “أصبح العالم مسرحاً كبيراً. كانت المجموعة نابضة بالحياة، حيث برزت أقمشة اللامية والترتر لإطلالات مشرقة.”
فواصل موسيقية
إذا كنت مدعوة إلى عرض أزياء، فقد تفاجأين بأنك في حفل موسيقي فبعد تسع دقائق من عرض شانيل لربيع/صيف 2012 ذي الطابع المائي، فُتحت صدفة عملاقة ليجد الجمهور بداخلها فلورنس ويلش التي غنت أغنيتها التي تحمل اسماً مناسباً للأجواء، What the Water Gave Me. وفي عرض غوتشي لربيع/صيف 2019، استعان المدير الإبداعي السابق للدار، أليساندرو ميشيل، بجين بيركين التي قدمت عرضاً غنائياً مذهلاً خلال حضورها عرض مجموعة غوتشي. ومؤخراً، قدمت المغنية وكاتبة الأغاني الإسبانية روزاليا أداءً حياً خلال عرض أزياء المجموعة الرجالية للعلامة لويس فيتون لخريف/شتاء 2023، والذي أقيم في متحف اللوفر.
إذا كانت هناك جائزة للمصمم الذي يقدم في عروض الأزياء الخاصة به أكبر عدد من العروض الموسيقية، ستفوز بها العلامة بربري بلا شك، حيث وضعت العلامة البريطانية بعض الفنانين مثل بنجامين كليمنتين وجورج ازرا وتوم أوديل في دائرة الضوء.تقول ليان، كان أداء أليسون موييت المذهل، حين غنى Only You خلال عرض أزياء بربري عام 2016 مع أوركسترا حية، يعد لحظة عاطفية للغاية.” وأضافت “دائماً ما تضفي الموسيقى الحية في العروض أجواءً مذهلة وممتعة للغاية لأنها تعكس أسلوب المصمم الإبداعي وكيفية تصوره للمجموعة التي يتم رؤيتها وارتداءها وتجربتها.”
في عرض روكسندا لخريف/شتاء 2017، اختارت سارة بلونشتاين وفريقها، الملحن الحائز على جائزة الأوسكار، مايكل نيمان لتقديم عروض العزف الحي. “مايكل نيمان هو الاختيار الأمثل لتمثيل عرض أزياء روكسندا،” هكذا قالت سارة ووصفتها أنها “لحظة مذهلة يتوقف عندها الزمن!”
قوة النجوم
عندما يتعلق الأمر بعارضات الأزياء، فلم يعد الأمر كما كان في خمسينيات القرن التاسع عشر. فبعد أن اختار تشارلز فريدريك وورث زوجته لتكون أول عارضة أزياء له، أطلق على جميع العارضات اللاحقات “شبيهات”، والآتي تم اختيارهن لقدراتهن على عرض الملابس وليس لنجوميتهن. في هذه الأيام، أصبح من المألوف رؤية نجوم يسيرون على نفس منصة العرض مثل عارضات الأزياء، على الرغم من الصخب والضجة التي يحدثها هذا الأمر دائماً.
منذ التسعينيات، استعانت المصممة المحنكة تجارياً ميوتشيا برادا بنجمات مثل إيل فانينغ وأوما ثورمان وكلوي سيفاني ومؤخراً (لخريف/شتاء 2023) وميا جوث وإيما كورين لعرض أزياء دار ميو ميو المملوكة للعلامة برادا. كذلك، أدركت العلامة توم فورد قوة الاستعانة بالمشاهير حيث أطلق المصمم الأمريكي علامته التي تحمل اسمه في عام 2010 بمساعدة بيونسيه وجوليان مور، كما سجل فيديو موسيقياً مع ليدي غاغا لمجموعة ربيع/صيف 2016.
الموضة ليست نشاطاً جاداً على الدوام، هذا ما أثبته عرض أزياء علامة فالنتينو لخريف/شتاء 2015 نوعاً ما. تقول ناتالي: “كنت بين الجمهور عندما ظهر بنچامين ستيلر وأوين ويلسون على المنصة كعارضين، مما أثار الارتباك والذهول بين محرري الأزياء والمشترين الذين يشاهدون العرض.” ولكن، “اتضح بعد ذلك أنهم كانوا في الواقع يصورون مشهداً من فيلم زولاندر!”
حضور ملكي
لم تشهد عروض الأزياء ضيفاً أكثر أهمية من الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، التي حضرت عرض ريتشارد كوين لخريف/شتاء 2018 في أسبوع الموضة بلندن. “كان أول عرض لريتشارد وكنا نعلم أنه حصل على جائزة. ولكننا لم نكن على علم بمن سيقدمها.” هكذا تقول سارة التي أنتج فريقها العرض. “اتفق المصمم مع القصر على أن يبقى الأمر سري تماماً. وقد قيل لي قبل ساعتين وكُلفت بمهمة إعلان حضورها للعرض! حرفياً، خيم الصمت على ساحة العرض بالكامل، التي تسع 500 شخص، عندما دخلت صاحبة الجلالة وجلست بجانب آنا وينتور. ثم، بأسلوب ريتشارد كوين الحقيقي، سارت فتيات يرتدين فساتين بنقوش زهرية ضخمة وخوذات وأقنعة معدنية! وقد نال العرض إعجاب الملكة.”
فاجأت دار سكياباريلي في مجموعتها لربيع/صيف 2023، الجميع بتصميمات أرفقتها بعناصر مستوحاة من أجسام الحيوانات، حيث ظهرت كايلي جينر في الصف الأمامي مرتدية فستاناً يتزيّن برأس أسد والتي ظهرت بها لاحقاً على منصة العرض، كما أطلّت المغنية دوجا كات بفستان أحمر ومجوهرات حمراء غطّت بشرتها فبدت مثل منحوتة حيّة. وقد أثارت الإطلالتان ضجة كبيرة.
لحظات التحوّل
عندما نتحدث عن عروض الأزياء والمشاهير لا يسعنا أن نغفل فستان النجمة جنيفر لوبيز الأخضر الذي ارتدته في عرض أزياء فيرساتشي، والذي نشط على محركات البحث على موقع جوجل لدرجة أنه دخل موسوعة ويكيبيديا. وعزا رئيس شركة جوجل، إريك شميدت، الفضل إلى الفستان المذهل المزين بمطبوعات بشكل أشجار النخيل، الذي ارتدته لوبيز في حفل توزيع جوائز غرامي لعام 2000، والذي اضطر محرك البحث حينها لإنشاء “صور جوجل”. خلدت دوناتيلا فيرساتشي تلك اللحظة الرائعة عندما طلبت من لوبيز أن تسير في نهاية عرض العلامة لربيع/صيف 2020 بارتداء نسخة طبق الأصل من الفستان الأيقوني.
وكما أحدثت الفساتين ثورة على الإنترنت، أصبح الإنترنت أحد العوامل المؤثرة على عروض الأزياء، حيث حاول المصممون متابعة تفاعلات ومشاركات المستخدمين. “من الواضح أن العلامات التجارية تلجأ إلى هذه اللحظات المؤثرة الفارقة على وسائل التواصل الاجتماعي لخلق مبيعات للأحذية وحقائب اليد.” هكذا تقول سوزي. “أتمنى فقط أن يوجهوا هذا الاهتمام في اتجاه زيادة الوعي بالأزياء المستدامة، واستخدام نفوذهم كمنصة في إنقاذ الكوكب.”
تقول ناتالي: “تشكل اللحظات المستخدمة في التسويق الفيروسي جزءاً من مشهد صناعة الأزياء وإثارة الجدل بشكل متزايد، وتعد أداة لزيادة حضور العلامة التجارية وتوليد الدعاية، سواء كانت جيدة أو سيئة.” أعتقد أنها لحظة استفزازية حقاً، على عكس الدعاية الجريئة التي ستجعلك تشعر أنها مفتعلة. وأنا أفضل أن تتحدث الأزياء عن نفسها!”
عروض مستفزة بجرأتها
سواء كنت تعتبره استفزازياً أو جريئاً، فلا أحد ينكر أن عرض أزياء دار سكياباريلي لربيع 2023 قد حقق ما يحلم به العديد من المصممين: لم يحرز نجاحاً ساحقاً فحسب، بل أحدث ضجة على الإنترنت. لكن لم يتحدث الناس عن الصور الظلية للساعة الرملية المنحوتة بدقة (المصممة لمحاكاة شكل زجاجة عطر Schiaparelli Shocking) أو البدلة الرائعة ذات النقوش المقلمة، ولكن بدلاً من ذلك، توجهت الأنظار نحو رؤوس الحيوانات الواقعية بشكل مخيف والمثبتة على المعاطف والفساتين التي ارتدتها العارضات نعومي كامبل وشالوم هارلو ودوجا كات على منصة العرض؛ وكايلي جينر، ثاني أكثر الأشخاص متابعة على إنستغرام. وبرغم من البراعة والإبداع في الحرفة والتي تظهر جلية في هذه القطع المحنطة المزيفة، وتبرير المدير الإبداعي دانيال روزبيري أن الحيوانات كانت مستوحاة من القصيدة الملحمية “الجحيم” التي ألفها دانتي، أجمع المستخدمون على وسائل التواصل الاجتماعي أن العرض جسد مظاهر الصيد بإتقان.
أثار عرض أزياء غوتشي لخريف/شتاء 2018 ضجة أقل صخباً، حيث ظهرت العارضات وهن يحملن رؤوساً بشرية مقطوعة تشبههن في الملامح والتي تم مسحها ضوئياً بتقنية ثلاثية الأبعاد وتصميمها من السيليكون والريزن من قبل شركة التأثير البصري الإيطالية Makinarium. وفي حفل Met Gala 2019، حمل جاريد ليتو في يده رأساً تشبه رأسه تماماً (وفقده لاحقاً).
المستقبل المثالي
يمكن للتقدم التقني أن يخلق سحراً في عروض الأزياء. لنأخذ، على سبيل المثال، الروبوتان اللذان قاما بطلاء فستان شالوم هارلو بالرش في عرض العلامة ألكسندر ماكوين لربيع/صيف 1999، وهو مفهوم طورته العلامة “كوبيرني” بعد 24 عاماً، حين صنعت فستاناً من الرذاذ لبيلا حديد أمام أعين الجمهور باستخدام أداة رش.
كانت ناتالي ضمن جمهور عرض دار ماكوين لخريف/شتاء 2009، عندما كشف المصمم النقاب عن صورة ثلاثية الأبعاد “Illusion of Kate Moss” التي تحظى بشهرة واسعة الآن: “كنت محررة أزياء شابة وحصلت على تذكرة عرض The Widows of Cullode في أسبوع الموضة في باريس، حيث ختمت الصورة ثلاثية الأبعاد لقطعة فنية لكيت موس العرض.”
تم تحليل الصورة العاكسة ثلاثية الأبعاد على أنها تذكير بحتمية الموت، المفجع، تجسيداً لوفاة ماكوين المبكرة. وبغض النظر عن حقيقة أنه غالباً ما يُنظر إلى المصمم كرائي للمستقبل وأنه كان بالتأكيد من مؤيدي عروض الأزياء المسرحية، قبل وقت طويل من “إحداثها تلك الضجة على الإنترنت”، إلا أن عروضه كانت ستحدث ضجة كبيرة على إنستغرام، إذا كان موجوداً حينها.
مع الأخذ بعين الاعتبار التجميع الرقمي ونشر المحتوى المرئي، الذي بات مسيطراً، يُمكننا الجزم بأن عروض الأزياء المصممة لإثارة الصدمة والرعب من المحتمل أن تكون الدعامة الأساسية لجداول أسبوع الموضة لسنوات عديدة قادمة. بعد كل شيء، كما قالت العظيمة فلورانس بيو ذات مرة، “أصبح العالم مسرحاً كبيراً.”
من عدد مجلة هاربرز بازار العربية لشهر يونيو 2023.
اقرؤوا أيضاً: مغامرة جورجينا رودريغيز على غلاف هاربر بازار السعودية لربيع 2023