
شهد الشهيل تروي رحلة علامة أباديا في عدد هاربرز بازار السعودية لربيع 2023
عقدت شهد الشهيل، مؤسِّسة أباديا العزم على أن تُثبت للعالم أن علامة الأزياء السعودية التي تحمل رسالة أخلاقية تستطيع أن توازن بين الإحساس المتجذر بالمسؤولية وتحقيق النجاح في مسرح الأزياء العالمي
حضرت في شهر فبراير الماضي سباق كأس السعودية للمرة الأولى برفقة صديقة لي، ولقد اختارت كلتانا ملابسها بعناية فائقة حيث إن قواعد الزيّ في هذا الحدث المقام على مدار يومين كانت تنص على ارتداء ملابس تُبرِز تراث المملكة الأصيل. وبينما كنا نسير على أرضية مضمار الملك عبدالعزيز للفروسية، لم يكفّ الناس عن إيقافنا والتحدث إلى صديقتي. كان الناس يتفقدون فستان صديقتي الفضفاض المنساب على جسدها، والذي كان مزينًا بحزام وأزرار، ويكمِّله طوق رأس مغطى بنوى التمر المذهَّب. وكثير ما كانوا يقولون بأعين ملؤها التقدير، “هذا الفستان من أباديا”، ثم يمعنون النظر في فستانها. وشعرت في تلك الليلة كما لو كنت أسير إلى جوار إحدى النجمات في عالم الأزياء.

بصفتي صحفية ناشطة في مجال الموضة منذ 30 عامًا، لم أرَ في حياتي هذا النوع من التفاعل مع زيّ في مكانٍ عام أو هذا التقدير لزيّ فريد يحمل لغة تصميمية مميزة لعلامة أزياء مبدعة. وقد ذكرني هذا الموقف بييرباولو بيكولي بفساتينه الضخمة، وتوم فورد بصوره الظلية الجذابة، وأليساندرو ميكيلي ببدله الكلاسيكية الغريبة وألبير إلباز بفساتينه المميزة بالسحَّابات والأشرطة. ولا أبالغ حين أقول أنّ فضولي كاد يقتلني للتعرف على علامة أباديا في تلك اللحظة، فقد كنت متلهفة لمعرفة الكثير عنها.
“لقد صممتُ هذا الفستان من أجل معرض 100 براند سعودي”، هذا ما قالته لي شهد الشهيل، مؤسِّسة دار أباديا ورئيستها التنفيذية. كانت البسمة تعلو محياها وأنا أروي لها قصتي في كأس السعودية في أول لقاء جمعني بها في مقر شركتها البكر المميز باللون الأبيض بالكامل بعد الموقف الذي رويته ببضعة أسابيع. وأوضَحَت: “أنا من الأحساء، واحة النخيل الأكبر في العالم. وفي صغري، كنا نجلس تحت أشجار النخيل ونتسلقها ونلعب حولها؛ فكانت تشكِّل جزءًا كبيرًا من حياتي. ولهذا، أحسّ برابط يصلني بشجر النخيل وأردت التعبير عنه في تصاميمي بطريقة ذات مغزى”.
وهكذا، صارت نواة التمر هي شعار دار الأزياء التي أسستها، والتي اشتققت اسمها من كلمتين عربيتين هما (أبدي) والتي تعني الخلود و(البادية) التي تعني الصحراء. لكنّ نواة التمر ليست مجرد إيماءة شعرية لماضي شهد وتراث منطقتها الأمّ، بل رمزٌ لالتزام الدار بقيم الموضة الأخلاقية. ثم استطردت قائلة: “نواة التمر تُرمى عادةً. ولهذا، فإن جزء من فكرة الشعار يتعلق بالاستدامة، إذ أردت أن أصنع شيئًا له علاقة بمفهوم إعادة التدوير”.
ربما لم تتلقى شهد تدريبًا احترافيًا كمصممة أزياء -إذ تعرِّف نفسها بلقب المديرة الإبداعية- لكنها نشأت وترعرعت وسط صنعة الأزياء. فقد ورثت شهد شغفها بعالم الأزياء من خالتها نعيمة الشهيل، التي كانت بمثابة أمها الثانية وأسست علامة باسمها للأزياء الراقية في السعودية، وغرست في شهد الصغيرة حبًا للأقمشة واحترامًا للفن الذي تقوم عليه صناعة الأزياء منذ نعومة أظافرها. ولكن حتى مع كل ذلك العشق المغروس في وجدانها للأزياء، لم يخطر ببالها بدايةً أن تقتفي أثر خالتها.
وجهت اهتمامها إلى تأسيس نشاط تجاري يقوم على الخدمة والعطاء، فتخرجت بدرجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة جونز هوبكنز ثم حصلت على زمالة صندوق “أكيومن” الاستثماري غير الربحي. وهناك، وظَّفت خبراتها في مجال الأنشطة التجارية لدعم المبادرات التنموية الاقتصادية في البلدان المحرومة؛ وهي وظيفة أوصلتها إلى أماكن مثل رواندا وأرمينيا. لكن بينما كانت شهد تقضي عامًا في الهند في أعقاب مأساة وطنية، ومن هناك، خطت خطواتها الأولى في عالم الأزياء.
تقول: “أذكر جيدًا أنني شاهدت نبأ انهيار مصنع رنا بلازا على شاشة حاسوبي وأنا جالسة على سريري، وتابعت عدد القتلى وهو آخذ في الارتفاع”. “ثم صدمتني تلك الفكرة، كيف أنني كنت أجلس مرتدية قميصًا ربما يكون قد صُنِع في ذلك المصنع أو مصنع مماثل له. ثم بدأت على الفور في إجراء أبحاث مكثفة لفهم سبب وجود هذا القطاع من الأعمال وسلاسل التوريد التي يقوم عليها”.
من رحم تلك اللحظة الفارقة في مشوارها، ولدت شركتها “بروجِكت جَست”. وصرحت لي بأنها شاركت في تأسيس الشركة بهدف استخدام أحدث الابتكارات التكنولوجية لتفعيل مبادئ الشفافية والمساءلة في سلاسل التوريد في عالم الأزياء. ولكن كان هذا في مهد حركة استدامة الموضة الحديثة في عام 2013، وتقر شهد أنه كان من الصعب إقناع الشركات بمدى أهمية تضمين أفكار مثل التقصي والاستدامة في البُنى التحتية لهذه الشركات. لذلك في عام 2018، قررت أن تبدأ بنفسها.



قميص ، 2،780 ريال سعودي ؛ تنورة، 11،430 ريال سعودي، كلاهما Valentino
تقول بكل صراحة: “لو أسسنا أباديا على بيع الملابس فقط، فلن يطول وجودنا في هذا القطاع المشبَّع فعليًا بالكثير من العلامات التي تصنع أزياءَ جميلة في شتى بقاع العالم”. “لكنني رأيت فرصة لإنشاء علامة تحاول فعلًا مزاولة نشاطها بالطريقة الصحيحة وتقدِّم الدعم للحرفيين وتبيع منتجاتها بسعر ميسور.”
في مقر شركة شهد البسيط، تصطف على الجدران رسومات تخطيطية وقصاصات من القماش للتشكيلات القادمة. ولكن تماشيًا مع توجهها الأخلاقي في مجال الأزياء، فقد أعادت النظر في نموذج الإنتاج لدى شركتها. فأوضحت، “كنا قد اعتدنا في فترة ما قبل الجائحة أن نكون متقيدين جدًا بالتقويم الموسمي، لكنّا وجدنا أن هذا لا يتطابق مع أخلاق وقيم وعملية التصميم التي ارتضيناها لعلامتنا التجارية. فنحن نتطلع بصدق إلى تصميم أزياء خالدة يُنظر إليها كإضافات مستدامة لخزانة ملابس المرأة”.

لا تسمي شهد تشكيلاتها بأسماء المواسم كما هو متعارف عليه في مجال الأزياء، بل تعطي كل تشكيلة رقمًا، كفصلٍ في رواية تحكي قصة أباديا. واليوم، تتبنى العلامة شعار “اشتر ما تشاهده الآن”، وستواصل اتباع نموذج الأعمال المباشر إلى المستهلك الذي شهد نجاح الدار المبهر مع انعقاد النية على تنمية مبيعات الجملة الحالية بنسبة 30 في المائة. وتشير شهد إلى أنه بدون أي دَفْعَة تسويقية، يأتي من الولايات المتحدة ثالث أكبر عدد من الزيارات على موقعها الإلكتروني، بعد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مما يؤكد لديها ما آمنت به دومًا – أن تصاميمها لها إقبال دولي حقيقي.
هذا هو أحد الأسباب التي دفعت شهد إلى إطلاق تشكيلتها الأولى من أباديا خلال أسبوع الموضة في باريس في عام 2018، وسوف تعود إلى عاصمة الموضة مرة أخرى لعرض أحدث أعمالها قبيل بدء أسبوع الموضة للأزياء الراقية في شهر يوليو. لكن الأمور تجري على نحو مختلف هذه المرة.
فالتحول الجوهري في تعامل المملكة العربية السعودية مع بقية العالم لا تخطئه العين البصيرة، حيث استطاعت المملكة خلق تطور غير مسبوق من خلال رؤية 2030 الجسورة والبعيدة المدى، والتي جعلت العالم بأسره يتحدث عن المملكة. “كل خبر عن المملكة يتم تسييسه بشكل مبالغ فيه، وينسى المتلقي أن كل ثقافة تنطوي على طبقات عديدة. ويجاهد قادتنا في تنفيذ العديد من الإصلاحات التي نتحمس لها ونعتز بها. لدينا تنوع ثقافي مثير للاهتمام ولكل شخص قصة مختلفة داخل الثقافة الواحدة” كان هذا جزء من حديث شهد عن الانفتاح الذي تشهده المملكة الآن.
أحد الجهود المبذولة في سبيل خلق حوار إبداعي عالمي يتمثل في هيئة الأزياء السعودية التي تأسست في عام 2020 وبرنامج 100 براند سعودي. فعلى مدار العامين الماضيين، عرضت الهيئة أعمال بعض من أكثر الحرفيين الموهوبين في المملكة أمام أعين الغرب. فأقامت معرضًا أوليًا في الرياض في ديسمبر من عام 2021، ومنذئذٍ سافر المعرض إلى نيويورك وميلانو (حيث كانت الشركات العارضة تتلقى طلبات من المشترين) مع وجود خطط جارية بالفعل لإقامة معرض في باريس في المستقبل.
كانت أباديا واحدة من العلامات التجارية المائة التي أشركتها الهيئة في الدورة الأولى من البرنامج، وكان ذلك في المعرض المقام بالعاصمة السعودية حيث لمحت أحد تصميمات شهد لأول مرة. كان عبارة عن فروة مصممة بشكل جميل ومزينة بزخارف رقيقة منسوجة حول الأكمام، وقد اكتشفتُ فيما بعد أنه أحد التصاميم الأساسية للعلامة.
قالت شهد، “من الأشياء التي أعشقها في التعامل مع الحرفيين والمهن الحرفية أنه مجال عابر للحدود. ومن أهم الحرف التي نستخدمها هي السدو، وكنا قد بدأنا استخدامها مع حرفيّ سعوديّ يستخدم هذه التقنية في النسج، ولكن عندما تنظر عبر المنطقة بأسرها تجد حرفة السدو منتشرة في العديد من البلدان لأنها تقنية بدوية من حيث الأصل. وبهذا فهي توحدنا، وهذه رسالة مهمة حقًا بالنسبة لي. أننا لسنا منقسمين”. ثم أضافت، “تمنحنا الملابس القدرة على التعريف بهويتنا ومكاننا، وتؤدي دورًا قويًا في توسيع نطاق الحديث عن المملكة، وبالتالي، فإن هذه المبادرات تحدث فرقًا كبيرًا”، في إشارة منها إلى برنامج 100 براند سعودي.
بالنظر إلى الوراء، تتذكر شهد كيف كان منحنى التعلم حادًا في البداية من حيث مراقبة الجودة والتنسيق مع الحرفيين الذين عمِلَت معهم. فقد استغرق تشجيع الحرفيين على التفوق وتحقيق المعايير نفسها من التميز الذي ترتقي له دور الأزياء الأوروبية وقتًا طويلًا. لكن بالنسبة لها، كان الأمر يستحق كل هذا العناء، فقد ساعدت الوظائف التي وفرتها على توليد شعور بالفخر الثقافي لدى الحرفيين تجاه الأعمال التي يصنعونها.
ثم صرحت شهد بكل ثقة: “كل شيء في أباديا يدور حول دعم الحرف اليدوية والحفاظ عليها في المقام الأول”. “ولا أعتقد أننا نستطيع مطالبة الحرفيين بصون التراث والحرف اليدوية دون منحهم حافزًا اقتصاديًا. ثم يأتي سرد الرواية الثقافية للمملكة وذكر خصائصها في المقام الثاني”. وهذا النهج الأخلاقي هو أحد الأسباب التي تجعل الدار لا تقدم خصومات كبيرة. ففئة الأشخاص الذين يشترون منتجات أباديا يدعمون فكرة أخلاقية أكبر، ويريدون الاستثمار في دار أزياء تشاركهم نفس المبادئ الأخلاقية العامة. وربما يكون هذا أحد الأسباب التي جعلت الملكة رانيا العبد الله -ملكة الأردن- والمغنية الأمريكية أليسيا كيز كلاهما ترتديان أزياء هذه العلامة.
ولكن هناك أيضًا طبقة أخرى لرؤية أباديا الأخلاقية التي نحن بصددها. فمعظم الحرفيين الذين يمارسون التقنيات التي تُدخِلها شهد في فساتينها وستراتها المفصَّلة هنّ من النساء. وفكرة أنها تساعد بهذا في تمكين النساء اللائي ستساهمن في دعم أسرهن ومجتمعاتهن من بعد هو شيء تعتز به شهد وتشعر بالفخر لتمكنها من القيام به بواسطة شركتها.
في الواقع، تنحدر شهد من سلف عريق من النساء القويات اللاتي اتخذن من مساعدة الآخرين قضية لوجهودهن. فوالدة شهد بدأت حياتها كمعلمة ثم مستشارة ومدربة حياتية، بينما كانت جدتها حكيمة مجتمعها النسائي في الأحساء.
تروي شهد: “من أكبر النعم التي أنعم عليّ بها ربي هي الانتقال للعيش في حضانة جدتي عندما كنت في الخامسة من عمري”. “كانت جدتي تؤمن أن رد الجميل هو جزء من مسؤولية الفرد في هذا العالم. كانت تستيقظ وتفكر في الجميع قبل نفسها، الجيران وعائلتنا، وقد اعتادت الذهاب إلى المزرعة وحصد ما تجود به من خيرات من ثم توزعها على المحتاجين، وكل ذلك في إطار من السرية الشديدة حتى لا تؤذي مشاعر من تعطيهم”.
اليوم، تدرس شهد آفاق توسيع نطاق أعمالها فيما تخطط لمستقبل علامتها التجارية الوليدة. في الوقت الحالي، تتألف الشركة من ستة أشخاص بخلاف لفيف من الحرفيين المدربين تدريبًا عاليًا من السعودية والإمارات ومصر ولبنان، ولكنها تقرّ أن بناء الثقة والإعداد لإلحاق عنصر حرفي واحد جديد في دورة الإنتاج لا يزال يستغرق حوالي عامين.
تتطلع شهد إلى التوسع في ميادين قطاع الأزياء الأخرى بفضل مجهودات موردي النسيج الأخلاقيين ممن يتبنون فكرًا مناسبًا، فهي تصنع ملابسها من أرقى المواد الفاخرة المستوردة من إيطاليا إلى جانب بعض المواد الخام المستدامة الأخرى المستوردة من اليابان. وصرحَّت بأن هناك خط جديد للاكسسوارات يلوح في الأفق، “والملابس الرجالية هي إحدى الفئات الأكثر طلبًا لدينا. وأشعر بإحساس غامر بالمسؤولية لتلبية هذه الطلبات على النحو الأمثل.”
ثمة شيء واحد واضح كالشمس في كبد السماء، وهو أن شهد ليس لديها نية لترك أباديا حتى تراها علامة تجارية رائدة تحظى بتقدير كبير وغير محصورة في بعض الأسواق المتخصصة. فهي لديها أحلام أكبر. فتقول: “أنا فخورة حقًا بمستوى التأثير الذي أحدثته علامتي التجارية والقيم التي تمثلها وحسّ الأصالة التي تحييه في النفوس عند سماع اسمها. وأكرر مرة أخرى، ما زلت أشعر بإحساس كبير بالمسؤولية لمواصلة النمو”.
وفي نهاية حديثنا، أعلنت لي شهد بكل سعادة وبصوت مرتفع “أريد أن أكون علامة الأزياء السعودية التي تخاطب بقية العالم”.