
ورود الصحراء: الفنانة منال الضويان تستعد لبينالي البندقية
لطالما أبهرتنا تحولات الفنانة السعودية منال الضويان. فقد أمضت جزءاً كبيراً من مسيرتها الفنية في استكشاف القيم والعادات المتغيرة في وطنها، وفحص تأثيرها، لا سيما على النساء السعوديات. وفي هذا الصدد، ترى نفسها شاهدة دقيقة ولكن ناقدة للتغيرات الثقافية التي تحدث داخل المملكة.
وعلى صعيد استعدادها لبينالي البندقية، الذي يحتفل هذا العام بنسخته الستين، تشعر بالحماس تجاه فكرة تمثيل بلدها ونفسها أمام العالم باعتبارها الفنانة التي اختيرت لإدارة الجناح الوطني السعودي.
تقول منال الضويان لمجلة هاربرز بازار السعودية: “لطالما ضمّت المملكة العربية السعودية مجتمعاً إبداعياً يزخر بالطاقات الإبداعية المتوهجة. ولكن ما تغيّر الآن – خلال السنوات الخمسة الماضية تقريباً – هو أن قيادة البلاد وضعت الفن والثقافة في صميم صدارة تطلعاتها المستقبلية.”
وتابعت: “أعتقد أننا نشهد لحظة تحول، كشعب وكدولة”. “عندما تتغير الأشياء وتتبدل داخل المجتمع، يمكن أن يسبب هذا شعوراً غير مريح للكثير من الناس. التغيير أمر صعب، والفن هو وسيلة ممتازة للمساعدة في تقريب وجهات النظر وتقبل هذا التغيير. هذه هي الطريقة التي نتعامل بها مع تاريخنا، أن نفهم ما نمر به وإجراء حوار في بيئة سليمة”.

تعتمد ممارسة الضويان الفنية بشكل أساسي على الفكرة، وليس على تخصص أو مادة معينة. المعنى عندها هو ركيزة العمل الفني، وتتغير المواد بحيث تعبر عن المعنى المطلوب. وبهذه الطريقة، لا تتقيد بأسلوب معين.
توضح قائلة: “كان التصوير الفوتوغرافي بوابتي الأولى إلى عالم الإبداع، لكنني سرعان ما شعرت بحدود هذا العالم، فهو ثنائي الأبعاد ويفتقر إلى العمق”. وفي أعمالي اللاحقة، تخلصت من الإطار والزجاج. انطلقت نحو آفاق أرحب، فاستخدمت الطباعة بالشاشة الحريرية وأضأت أعمالي بأنوار النيون وروعة ألوان الرش. ولكن سرعان ما شعرت بأنني لا زلت محصورة بالسطحية في هذا العالم ثنائي الأبعاد، لم يكن بمقدور الخامات وحدها أن تجسد مفهومي كاملاً”.
وتتابع: “شرعت في ابتكار عوالم فنية تفاعلية تتطلب منك الخوض فيها بجسدك بالكامل. –أي عليك أن تدخلها؛ تلمسها؛ تشعر بها؛ تشمها. تشعر بحجمها-. ولاحقًا، أصبح هذا النوع من الأشياء هو ما أهوى صنعه حقاً”.
في الوقت نفسه، غالبًا ما يكون عملها تأمليًا وتحليليًا وشخصيًا للغاية، حيث تسعى إلى التوفيق بين جوانب هويتها الخاصة في سياق تاريخي واجتماعي يتغير باستمرار.
تتأمل قائلة: “يجب أن نتذكر أن المملكة العربية السعودية لم تستسلم للهدوء قط. في الحقيقة، لقد كانت دائمة التغير. حيث أدى اكتشاف النفط إلى تغيير حياة جيل والدي. بعضهم كانوا من البدو. والبعض كانوا مزارعين. والبعض الآخر كانوا مهاجرين من فلسطين. الفجوة في التجربة بيني وبين والدتي هائلة. الفجوة بيني وبين ابنة أختي كبيرة؛ تطلب مني في سياق قصة ما قبل النوم أن أخبرها عن وقت كان يطاردني فيه رجال هيئة الأمر بالمعروف؛ بالنسبة لها هذا خيال وغير حقيقي. يُظهر هذا كيف تغيرت المملكة العربية السعودية وما زالت تتغير”.
بالنسبة للجناح الوطني السعودي في معرض بينالي البندقية 2024، ابتكرت الضويان “الرمال المتحركة: أغنية معركة”، وهو عمل فني متعدد الوسائط مستوحى من الدحة، وهي رقصة رجالية عربية تراثية ترجع جذورها لعهد ما قبل الإسلام وتمتد من السعودية إلى الأردن وفلسطين والعراق، حيث يقود راقص أو شاعر مجموعة جوقة ذكور في الغناء.
وفقاً للأسطورة، عندما غزا الجيش الفارسي الأراضي العربية، تمكنت القبائل العربية من تخويف أعدائها عن طريق أداء الدحة، بمحاكاة أصوات الحيوانات المخيفة وخداع القوات الفارسية لحثهم على التراجع. واليوم تُقام الدحة في الاحتفالات مثل حفلات الزفاف والمناسبات الوطنية.
تعيد الضويان تقديم هذا الأداء التراثي في عمل فني تركيبي، باستخدام مجموعات من مكبرات الصوت التي تصطف على جانبي الجناح لتمثيل الجوقة، التي تحيط بمجموعة من ثلاثة تماثيل كبيرة الحجم.
وتشرح قائلة: “ذهبت إلى ثلاث مدن مختلفة في السعودية – الخبر وجدة والرياض – حيث أجريت جلسات تشاركية عرضت فيها على النساء صوراً لمقالات مكتوبة عن المرأة السعودية”. “وسألتهن: هل تعتقدين أن هذه اللغة تعبر عنكِ؟ هل تشعرين بالراحة في وصفك هكذا؟ لقد جمعت رسوماتهن وعباراتهن، واخترت الأقوى وطلبت منهن قراءتها بصوت عالٍ”.
ثم يتم دمج هذه القراءات، التي تحاكي أسلوب النداء والاستجابة في رقصة الدحة، مع الأصوات الطبيعية المأخوذة من كثبان الربع الخالي في شبه الجزيرة العربية – وهي ظاهرة لا تحدث في عدد قليل من الصحاري حول العالم – تشبه النوتات الطويلة العالية الرتيبة، تليها تراتيل متناغمة تؤديها المشاركات الإناث.
تتابع: “تدخل إلى فضاء الجناح وتسمع صوت النساء. لا تراهم -فهن غير مرئيات- لكن الصوت يستحوذ على جسدك. لا مفر. أصواتهن تثبت حضورهن. ثم لديك المنحوتات؛ أول شيء تراه هو الصخب البصري للوسائط. ومثلما تشق النساء طريقهن دائما في الأماكن العامة، يجب أن تشق طريقك أنت أيضاً عبر العمل الفني نفسه بجسدك. وحينها تكتشف أصوات النساء، وتجد قلب هذا العمل الفني النابض: رسوماتهن وكلماتهن.”
المنحوتات مستوحاة من وردة الصحراء، ذلك التكوين البلوري الساحر الذي راود الخيال الفني لمنال الضويان طيلة حياتها. عندما كانت طفلة، كانت تقضي فصل الربيع في البحث عنها بالقرب من منزل والدتها. وها هي بعدما كبرت تعود إليها وتعيد تعريفها في صورة رمز يعبر عن تجاربها الخاصة بالأنوثة والتمثيل.
تقول: “حينما كنت أتأمل التحولات التي تشهدها المملكة العربية السعودية، وبالأخص مكانة المرأة فيها، لاحظت دوماً أن الرسوم البيانية التي تُستخدم لتمثيل المرأة المسلمة لا تتعدى كونها وردة إنجليزية هشة. كانوا يضعون زهرة على وجهها حرفياً”.
وتكمل حديثها باستنكار: “فكرت ملياً في صورة هذه الوردة الضعيفة البائسة التي تكاد بتلاتها تتساقط ويوشك نضارها على الذبول. إن هناك إصراراً – بل يكاد يكون ولعاً – على ترسيخ هذه النظرة الاستشراقية النمطية لكيفية مظهر المرأة السعودية وسلوكها. هذا لا يمثلني إطلاقاً. عندما تأملت وردة الصحراء – تلك البلورات الجميلة التي تتشكل في أقسى الظروف – أدركت أنها تمثل المرأة العربية بشكل أصدق بكثير. وهذا ما جلبته إلى البندقية.”
وتختتم: “إن الشعور بأن ‘هن’ مختلفات وأن وضعهن أسوأ منا يخلق شقاقاً عميقاً. بدلاً من ذلك، يجب على النساء أن يحتضنَّ وحدتهن – كأخوات – لحماية بعضهن البعض.”
من عدد هاربرز بازار السعودية لصيف 2024