فيلم ضي
Posted inمسلسلات وأفلام

كريم الشناوي وأسيل عمران يكشفان أسرار وكواليس فيلم ضي لأول مرة

«لينا سيرة، سيرة. لينا ضي، قولوا للي جاي، أنا جاي…»

من منا لم تطرب أذناه بهذه الكلمات التي صدح بها الملك محمد منير، في الأغنية الرسمية لأحدث الأفلام التي عاد بها إلى الشاشة الذهبية بعد غياب طويل. فيلم ضي – سيرة أهل الضي، للمخرج المصري كريم الشناوي، وبطولة الفنانة السعودية أسيل عمران إلى جانب بدر محمد، إسلام مبارك، وحنين سعيد.

يقدم الفيلم حكاية إنسانية خالصة عن فتى نوبي في مرحلة المراهقة وُلد مختلفًا عن أقرانه، ببشرة بيضاء نتيجة إصابته بمهق (ألبينو)، وصوتٍ ذهبي يأسر القلوب قبل العقول. وبين تنمّر المحيطين وتخلّي والده عنه، ومحاولات والدته وأخته إخفاء موهبته خوفًا عليه من قسوة العالم، تظهر معلمته لتكون النور الذي يبدّد الظلمة، والمحاربة التي تؤمن بموهبته وتدفعه لمشاركتها مع العالم.
رحلة هذا الفتى لم تكن سهلة، لكنها حملت له مفاجأة غير متوقعة، حين التقى بقدوته ونجمه المفضل محمد منير، الذي شكل نقطة تحوّل حاسمة في مسار حياته، وكان أحد أهم أسباب نجاحه.

نال الفيلم إعجاب الجمهور عند عرضه في دور السينما المصرية والعربية، بعد جولات ناجحة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي ومهرجان برلين السينمائي الدولي، حيث لفت الأنظار بقصته المؤثرة وجمال صورته السينمائية.

وعن تجربة الفيلم، يقول المخرج كريم الشناوي:”بدأنا العمل على الفيلم منذ عام 2019، وبعد أن أنهى الكاتب هيثم دبور السيناريو، بدأنا عرضه على المنتجين. كان إيماننا بالنص كبيرًا، فقد لمسني اختلافه منذ اللحظة الأولى؛ إنها قصة مبتكرة تمزج بين العائلة والطموح والحب والرحلة والنجاح. وكأنك تدخل عالمًا ساحرًا تضحك فيه تارة وتبكي تارة أخرى. ورغم جمال الفكرة، واجه تنفيذها صعوبات وهو ما دفعني وهيثم دبور في النهاية لتاسيس شركة إنتاج خصيصًا لتنفيذه“.

رغم الإعجاب الكبير الذي حظي به سيناريو الفيلم، قوبل المشروع في بداياته برفض من معظم شركات الإنتاج التي تخوفت من المجازفة بتيمة غير مألوفة في السينما العربية. غير أن المخرج كريم الشناوي لم يرَ في ذلك عائقًا، بل حافزًا لمضاعفة التحدي — تحدٍ تمثل أولًا في القصة ذات المصير المجهول، وثانيًا في اختياره لبطلة سعودية لأداء شخصية مصرية صعيدية، وهي الفنانة أسيل عمران. تتحدث أسيل عن بداية هذا التعاون:”المفارقة أنني لم ألتقِ كريم من قبل، لكنني كنت أتابع أعماله وأعشق مدرسته الإخراجية. تلقيت منه اتصالًا مفاجئًا، أرسل بعده السيناريو مباشرة، فقرأته وتواصلت معه من جديد، ولا أنسى أنني سألته: هل أنت واثق أنني قادرة على أداء هذا الدور؟ لأني بصراحة خائفة منه! فابتسم وقال: ننتظرك في مصر لنجرب معًا. تلك الجملة وحدها أشعلت في داخلي شرارة الثقة، ومنذ اللحظة الأولى، كان دعمه سببًا في أن أؤمن بنفسي أكثر أمام الكاميرا“.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه:لماذا أسيل تحديدًا؟ تجيب:”بصراحة وحتى الآن لا أعرف! كنت أعتبرها مجازفة، رغم أنني مؤمنة بأن لكل مخرج رؤيته الخاصة التي تمكّنه من اكتشاف طاقات خفية في الممثل. لم أكن أصدق اختياري لتجسيد فتاة مصرية صعيدية، لكنني قررت أن أخوض التجربة حتى النهاية“. أما كريم فيكشف كواليس الاختيار قائلاً:”ولماذا لا تكون أسيل؟ هي فنانة موهوبة تمتلك طاقة هائلة وعطاءً لا ينضب. في الحقيقة، سبقتها أسماء عديدة في الترشيح، لكن ظروفًا مفاجئة كانت دائمًا تُبعدهن في اللحظة الأخيرة، وكأن الدور كُتب لها وحدها. أقدّر فيها احترافيتها واجتهادها، وقد أبهرتني بمدى التزامها في دراسة الشخصية من كل الزوايا، خصوصًا في إتقان اللهجة الصعيدية“.

تُعد أسيل عمران من أبرز الأسماء في الساحة الفنية السعودية، غير أنها تخطو بثبات نحو عالم السينما المصرية، واضعة بصمتها بهدوء وثقة. بدأت هذه الرحلة ببطولتها في فيديو كليب مع النجم تامر حسني، ثم بدور لافت في مسلسل لام شمسية الذي عُرض في رمضان 2025، وصولًا إلى أحدث أعمالها، فيلم ضي، الذي عُرض في سبتمبر الماضي وفتح أمامها أبوابًا جديدة في المشهد الفني المصري. وعن استقبال الجمهور المصري لها، تصرح:”بصراحة، تفاجأت جدًا من رد الفعل! وجدت كمًا لا يُوصف من اللطف والدعم، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو عندما التقيت الناس وجهًا لوجه. ذلك الحب منحني دافعًا أكبر للتفكير بجدية في خطواتي المقبلة“.

أما حين نسألها عن نظرتها للفن المصري، فتتأمل قليلًا قبل أن تفصح:”نشأت في بيت يُتابع الأعمال المصرية بشغف كبير. كنت أشاهد أفلام الأبيض والأسود. من السندريلا سعاد حسني، إلى شادية، وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة. وأحفظ مشاهد من مسرحيات مثل شارع محمد علي والعيال كبرت. كل ذلك زرع بداخلي حب الفن المصري، بل والحلم بأن أكون يومًا ما جزءًا منه.
كنت أعلم أن تحقيق ذلك صعب، ولم تكن لديّ خطة واضحة، لذلك أشعر بامتنان كبير للمخرج كريم الشناوي، لأنه كان السبب في تحويل هذا الحلم إلى حقيقة
“.

ومن جانبه، يتحدث كريم عن الجانب الإخراجي للفيلم:”اعتمدنا في الفيلم على قوة القصة نفسها، لا على تقنيات سينمائية معقّدة. أردت أن تكون البساطة هي عنوان الصورة، تمامًا كما هي روح الفيلم. أكثر ما شغلني كان اختيار العدسات المناسبة للتصوير، إذ أجرينا اختبارات كثيرة حتى استقرّينا على استخدام عدسات أنامورفيك لمعظم المشاهد، وفي بعض اللقطات استخدمنا عدسات أنامورفيك قديمة الطراز لتوصيل إحساس خاص في مشاهد الطبيعة“.

ويستكمل:”كان لدينا أكثر من 50 موقع تصوير في مدن مصرية مختلفة، وهو ما تطلب قدرًا كبيرًا من المرونة في التكيف مع طبيعة كل مكان. احترمنا خصوصية كل مدينة، وتصرفنا وفقًا لظروفها ومناخها وتفاصيلها اليومية. لكل موقع شخصيته الخاصة التي انعكست على الصورة النهائية للفيلم“. وعن صعوبة تنقل طاقم العمل بين المحافظات واختلاف الجنسيات بين أبطاله، يضيف كريم مبتسمًا:”بالتأكيد كان تحديًا، لكنه من النوع الممتع! كانت الطبيعة نفسها ترافقنا بروحها المتقلبة. أحيانًا نصور في مكان، ثم نعود إليه بعد أسابيع لنجد المنظر قد تغير تمامًا أو انخفض منسوب المياه في النيل. كل ذلك أجبرني على أن أكون في قمة التركيز طوال الوقت، وأستطيع القول إن هذا الفيلم علمني التركيز أكثر من أي عمل سابق“.

أما أسيل، فتعود بنا إلى كواليس التحضير لشخصيتها قائلة:”التحضير للدور استغرق وقتًا طويلًا، لكن الجميل أن الجميع احترم هذه المرحلة ودعمني فيها. شخصية صابرين لم تتطلب إتقان اللهجة الصعيدية فحسب، بل فهم عادات وتقاليد أهل الصعيد الحقيقيين.
كنت أعرف عنهم الصورة النمطية التي نراها في الدراما، لكن لقائي بـ(عم قناوي)، مدربي على اللهجة والثقافة، غير نظرتي تمامًا. اكتشفت فيهم بساطة لا تشبه أي مكان آخر؛ بساطة ليست في المظهر أو نمط الحياة، بل في التعبير عن المشاعر، في العطاء، وفي الدفء الإنساني الحقيقي. كل تلك التفاصيل انعكست على شخصية صابرين وعلى كل ما مرت به من محن ومشاعر في الفيلم
“.

حققت أسيل عمران إشادات واسعة بدورها في فيلم ضي، حيث اعتبره كثيرون نقطة تحول في مسيرتها الفنية، بل ربما العلامة الأهم حتى الآن في رحلتها التمثيلية. غير أن أسيل ترى أن النجاح الحقيقي لم يكن في ردود الفعل وحدها، بل في الروابط الإنسانية التي نشأت خلف الكواليس. وتؤكد:”العلاقة التي جمعتني بزملائي في العمل كانت مفاجأة جميلة وغير متوقعة، لكنها كانت الأهم بالنسبة لي. بكينا كثيرًا في آخر أيام التصوير، وشعرت أن هذا الإحساس الصادق بالود وصل إلى الجمهور أيضًا. فإحساس الألفة الذي ساد بيننا هو ما جعل مشاعر الصدق تظهر بوضوح أمام الكاميرا“.

ورغم أن شخصية صابرين كانت على خلاف كبير مع والدة «ضي» وشقيقته في الفيلم، تؤكد أسيل أن ما جمعهم خارج الكاميرا كان مختلفًا تمامًا:”العداوة كانت أمام الشاشة فقط! خلف الكواليس، ربطتنا علاقة قوية جدًا. أتذكر مشهد إلقائي في الماء، كانت الفنانة إسلام مبارك، التي تؤدي دور الأم، متأثرة جدًا فبكت بحرارة بعد انتهاء المشهد. حاولت أن أُخفف عنها المزاح وقلت لها: (يعني تأثرتِ بإلقائي في الماء، ولم تتأثري عندما كنتِ تضربينني في المشهد السابق؟) ضحكنا كثيرًا، فعلاً كان بيننا قدر كبير من المحبة والدفء“.

أما عن أصعب المشاهد التي واجهتها، فتقول أسيل:”هناك مشاهد كثيرة كانت صعبة بالنسبة لي، لكن أكثرها تحديًا كان مشهد سرقة السيارة. ليس لصعوبته الفنية، بل لأننا صورناه في برد قارس بينما كنا نرتدي ملابس صيفية! لو ركزتم في المشهد ستلاحظون أننا نرتجف فعلاً من شدة البرد“.

وتضيف:”أما المشهد الثاني فكان لحظة إلقائي في ماء النهر. كنت مرعوبة قبل التصوير، لأنني سمعت كثيرًا أن مياه النيل ثقيلة ويصعب العوم فيها. لكن بعد انتهاء المشهد، شعرت بنشوة لا توصف لأنني خضت تجربة كنت أسمع عنها فقط ولم أتخيل يومًا أن أعيشها. في الحقيقة، ما يحدث خلف الكواليس أعمق بكثير مما يراه الجمهور. هناك من يمرض، ومن يسقط من التعب، ومن لا ينام لأيام. لكن عندما شاهدنا الفيلم في العرض الأول، أدركنا جميعًا أنه استحق كل ذلك العناء“.

في القصة، يكافئ القدرُ البطلَ بلقاء طال انتظاره مع مثله الأعلى ومعشوقه الأول، الكينج محمد منير. وهنا يحضر إلى الأذهان المثل الإنجليزي الشهير: “Never meet your heroes“، أي “لا تلتقِ بقدوتك”، خشية أن تهتز الصورة الذهنية التي رسمتها في خيالك إن كان اللقاء أقل من التوقعات.

لكن محمد منير ليس مجرد قدوة للبطل فحسب، بل هو أيقونة فنية ومعشوق الجماهير العريضة، بمن فيهم أسيل عمران والمخرج كريم الشناوي. يصرح كريم:”بصراحة لا أؤمن بهذا المثل، فجميع من قابلتهم من قدواتي في الحياة كانوا جزءًا من رحلة تعلمي ونجاحي. أما عن محمد منير، فإخراج عمل يشارك فيه كان شعورًا يفوق الوصف. كنت أستيقظ كل صباح متجهًا للتصوير وكأنني ذاهب لامتحان الثانوية العامة! أما أغنيتي المفضلة له فهي يا زماني والمدينة“.

أما أسيل عمران، فترى الأمر من زاوية مختلفة قليلًا:”أؤمن بالمثل إلى حدٍ ما، لأننا قد نلتقي بمن نحب في لحظات لا يكونون فيها في أفضل حالاتهم، فنشعر بالخذلان. لكن علينا أن نتذكر أننا جميعًا بشر، حتى المشاهير والمؤثرون، لا يمكن أن يكونوا لطيفين طوال الوقت. يمرون بتقلبات ومحن، ومع ذلك يُتوقع منهم دائمًا أن يخفوا كل ذلك خلف قناع وابتسامة وروح مرحة. لذلك، كثيرًا ما أُعذر الناس“.

أما عن لقائها بالكينج محمد منير فتصفه:”أنا من عشاق الكينج، وجوده في الفيلم كان تجربة ساحرة بكل معنى الكلمة. اسمه كان يُذكر في كل مشهد تقريبًا. وجوده لم يكن مجرد شرف، بل مصدر إلهام حقيقي. أنا أحبه جدًا، وأغانيه جزء من ذكرياتي، لكن أغنية المدينة تظل الأقرب إلى قلبي“.

والآن، بعد أن أصبحت أسيل عمران نجمةً متألقة في كلٍ من السعودية ومصر، كان لا بد من سؤالها عن الفرق بين الفن في البلدين. تجيب بتأمل واضح:”سواء كان الفن مصريًا أو سعوديًا أو لبنانيًا أو كويتيًا أو حتى سودانيًا… بالنسبة لي، الفن هو فن، لا يختلف من بلد إلى آخر. الاختلاف قد يكون في نظرة المشاهد، أما بالنسبة للممثل، فالمتعة الحقيقية تكمن في التنقل بين الثقافات والتجارب، واكتشاف الجمال الخاص في كل بيئة فنية. طبعًا، مصر دائمًا مميزة، فنحن جميعًا نشأنا على فنها وتاريخها العريق. أما السعودية، فنحن نعيش اليوم نهضة فنية سريعة ومليئة بالتجديد والإبداع والدعم، وهذا أمر جميل جدًا. لكل مكان طابعه الخاص، ولكل تجربة متعتها، وأحيانًا تكون الرحلة نفسها أجمل من الوصول“.

وتضيف:”اليوم فيلم ضي هو أكبر دليل على أن الفن الحقيقي لا يعرف حدودًا. في هذا العمل اجتمع ممثلون من جنسيات مختلفة، ممثلة سودانية، وممثلون مصريون، وأنا سعودية؛ ومع ذلك، عندما تشاهدين الفيلم، تنسين تمامًا من أين نحن، لأن الجمال والإبداع يطغيان على كل شيء. الفن لا يعرف لونًا ولا جنسية، هو اللغة الوحيدة التي توحدنا. السياسة قد تضع حدودًا بين الشعوب، لكن الفن هو الذي يكسر تلك الحدود، وهو الذي يجمعنا فعلًا“.

بعد أن قدم لنا كريم وأسيل رؤية شاملة عن أحد أنجح أفلام موسم الصيف، والذي حصد إشادة واسعة من مختلف فئات الجمهور، توقف كريم عند نقطة بدت له ذات مغزى خاص، وهي إعجاب الجيل الجديد بالفيلم من جيل «زي» و«ألفا» مؤكدًا أنّ وعيهم الفني ونضجهم الفكري يسبق أعمارهم بكثير، وأنه يشعر بالفخر لرؤية هذا الوعي يتجسّد في ردود فعلهم.

وفيما يترقب المخرج كريم الشناوي عرض أحدث أعماله (السادة الأفاضل)، الذي يخرج فيه عن المألوف ليقدم فيلمًا كوميديًا خالصًا بروح مختلفة، تتجه الأنظار أيضًا إلى جديد أسيل التي تستعد لمرحلة جديدة في مسيرتها الفنية.

تختتم أسيل:”هناك أشياء كثيرة في الأفق. أقرأ حاليًا عددًا من النصوص، منها مسلسل سعودي —عفوان أتمنى من قلبي أن تتيسر الأمور ونوقع العقد قريبًا. كما أقرأ سيناريو فيلم مصري وأنا سعيدة جدًا بهذه العروض. لكن بالنسبة لي، الخطوة القادمة، خصوصًا في مصر، يجب أن تكون مدروسة بعناية. فأنا أحمل مسؤولية كبيرة بعد لام شمسية وضي. الجمهور المصري ذو ذائقة عالية ووعي فني كبير، لذلك لا يمكن أن أقدم أي عمل إلا إذا كان على الأقل بمستوى ما قدمته سابقًا، أو أفضل منه“.

اقرؤوا أيضًا:

    No more pages to load