دانية الصالح
دانية الصالح
Posted inالثقافة

عين بازار: فنون دانية الصالح تعْطفـ بين الأسود والأبيض

بشَدَا الأسود والأبيض تتدفّق أعمال الفنانة دانية الصالح؛ وتضمّ سكونـ الجمع بالغياب.. “كل هذه العناصر توفر لي نوافذ على عالم متعدد الأبعاد يستحق الاستكشاف”

تتأمل الفنانة دانية الصالح مسارنا الحياتي عبر مقياس الأسود والأبيض؛ كمنطلق للفكر الهادف إلى “استكشاف وجهات نظر غير متوقعة؛ تتعلق بالذاكرة البشرية وهشاشتها العاطفية”. ذلك عبر تفسير علاقة البشر مع الهيمنة الجمعية خلال ممارسات الحياة اليومية؛ مقابل التعمق في حساسيات الذاكرة الخاصة أثناء فعل ذلك. بحيث تدوّن رَويّة الفنانة دانية الصالح أنه “في عالم الرسم؛ الأبيض يُعتبر غياب اللون بينما في الشاشات يُعتبر تجميع لجميع الألوان. والأسود في الرسم؛ تجميع لجميع الألوان بينما على الشاشة يُعتبر غياب اللون!”. يمكن استشعار ذلك التلاقي بتتبع طابع أعمال الفنانة عبر الزمن؛ بحيث يمتزج الزمان والمكان في “مكتبة العمارة الترابية، 2024” وكذلك الوقت بالطبيعة في “ناعم، 2020”.

من أعمال دانية الصالح

تساهم الفنانة دانية الصالح ضمن فنون “مكتبة العمارة الترابية” ببينالي الدرعية للفن المعاصر 2024 “ما بعد الغيث”؛ بمقتنيات فائقة الخصوصية (المبخرة والدِيرم) من مغزى الحفاظ على الحس الغير ملموس – كالذاكرة والطقوس المصاحبة لممارسة ذلك التراث “بما يوازي أهمية حفظ القطعة ذاتها”. كما يعكس طابع التصوير الفوتوغرافي للفنانة؛ منظورًا يسير في ذات السياق التحليلي الناقد، الفعل الإعلامي الذي يعيد التفكير في مدى تأثير وسائل الإعلام على طبيعة حياة البشرية. تؤكد دانية على ذلك الإدراك أثناء الحديث ضمن حوارات زوايا وأفكار -نوفمبر 2023- بحيث تتعمق بشأن” الرسائل التي يعكسها الإعلام مقابل الرسائل الحقيقية”. من خلال تحليل وضمّ وإعادة تنسيق المواد الإعلامية من مصادر مبتكرة، على سبيل المثال: الأفلام السينمائية، وتزييف الشخوص عبر الذكاء الاصطناعي.

فيما يشير البيان الفني للعمل “ناعم، 2020” إلى إمكانية التعامل مع التحديات اليومية بمهابة فحص ومحاكاة علم الأحياء، وعبر النظر في عينات الحياة وأنظمتها الطبيعية؛ منبع أحجيات العمارة والتصميم والعلوم والابتكار “أردت أن أجد في الطبيعة شيء يغذي ممارستي… هكذا يمكننا رعاية كوكبنا بتدفق لا نهائي من الحب والانسجام”. بغاية الشمولية تصل الفنانة إلى ثقل الفردية عبر تحليل الانعكاس تجاه ذات أعمالها “تُتناول ممارساتي الفنية في بعض المفاهيم، مثل: الذاكرة والتكييف الثقافي، مع التركيز على تأثير الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي على هذا السياق”. بحيث تقدم أعمال الفنانة رواية نقدية بشأن الطبيعة الإنسانية، الأنماط السلوكية، والافتراضات البديهية التي نعيش بها “من خلال استخدامي لتقنيات متعددة تشمل الرسم والتكنولوجيا، أسعى للتعبير بطرق مباشرة وغير مباشرة، حسب السياق والموضوع المعني”.

من أعمال دانية الصالح

غاية في الدقة، ومن خلال رقة التفاعل بين التعبيرات المرئية والغير مرئية للعاطفة، ورغم التآكل التدريجي لخصوصية الذاكرة اليومية – تقوم أعمال الفنانة دانية الصالح على حلّ أحجية التناقضات؛ عبر رجاحة الاتزان بين العام والخاص في ممارسة إظهارنا لـ “المودة” بتفكّرٍ يتردد حول محور الصوت.

من منطلق اتزان الأسود والأبيض؛ تصوّر لك الفنانة دانية الصالح نغم منظورها الحياتي كتابةً فيما يلي:

الأسود والأبیض ھو … ؟

بما أنني أعمل مع مزج الألوان في الرسم وعلى الشاشة، فإن لدي تفسيرات متعددة للأسود والأبيض. في عالم الرسم، الأبيض يُعتبر غياب اللون، بينما في الشاشات، يُعتبر تجميع لجميع الألوان. الأسود في الرسم هو تجميع لجميع الألوان، بينما على الشاشة، يُعتبر غياب اللون. هذه التباينات تُظهر لنا أن الأشياء ليست دائمًا كما تبدو، وأن لكل شيء وجهات نظر متعددة.

كیف ھو واقع العالم الیوم برأیك؟

يعيش العالم اليوم في حالة من التحول والتغير السريع. نواجه تحديات متعددة تشمل التغير المناخي، الفجوات الاقتصادية، والتوترات العالمية. ومع ذلك، يظل هناك مجال للأمل والتفاؤل، حيث يتيح التقدم التكنولوجي والتواصل الثقافي فرصًا لحلول جديدة ومبتكرة. الفن بدوره، يمكن أن يكون وسيلة للتعبير عن هذه التحديات والفرص، ويقدم منصة للحوار والتفكير النقدي.

ما الذي یدفعك للاستیقاظ وممارسة حیاتك الیومیة؟

ما يدفعني للاستيقاظ كل يوم هو الفضول الذي لا ينطفئ تجاه العالم وكل تفاصيله. ليس فقط الأحداث الكبيرة التي تحدث حولنا، ولكن حتى الظواهر الصغيرة التي تمر مرور الكرام في حياتنا اليومية. هذا الفضول يمنحني القوة للاستكشاف، للتجربة، وللإنشاء. إنه يجعلني أتساءل دائمًا عن ‘الماذا لو؟’ و’لماذا لا؟’ وهذه التساؤلات هي التي تحفزني على الاستمرار والتطوير.

كیف یمكن وصف رحلتك الفنیة حتى الآن؟

لطالما كان لدي شغف بالفن، لكنني لم أبدأ في أخذه بجدية إلا في مرحلة متأخرة من حياتي. كان تركيزي في البداية موجهًا نحو عائلتي ورعاية أطفالي. ولكن، عندما تلقيت تقييمات إيجابية على لوحاتي الفنية، قررت التفرغ للفن كمهنة بشكل كامل ونلت شهادة الماجستير في تخصص الفنون الكمبيوترية من جامعة جولدسميث في بريطانيا. لقد مررت بفترات متفاوتة من النجاح والتحدي، وواجهت العديد من حالات الرفض، ولكن تشجيع عائلتي وأهلي وكذلك دعم ناس كثيرة لي، والإيمان بقيمة عملي هو ما يحفزني على الاستمرار والمثابرة.

ما ھو مصدر إلھامك الأكبر في ھذه الفترة؟

مصدر إلهامي يأتي من مصادر كثيرة، منها حياة الناس وقصصهم وسيرتهم الذاتية. وكذلك أجد في التفاصيل البسيطة واللحظات العابرة مادة غنية للتفكير والإبداع. الحوارات التي أجريها، والأخبار التي أتابعها، وحتى مجرد الجلوس في مطعم ومراقبة الناس في محيطي، كل هذه العناصر توفر لي نوافذ على عالم متعدد الأبعاد يستحق الاستكشاف. كما أن الكتب ووسائل الإعلام وكيفية تقديم الأخبار اليومية تعتبر مصادر إلهام متجددة تساعدني على توسيع آفاقي وتعميق فهمي للعالم الذي نعيش فيه.

كیف تبدأ طقوس ممارستك الفنیة؟

دائمًا ما أحمل دفتر ملاحظات معي دائمًا. في هذا الدفتر، أقوم بتدوين أي فكرة أو تأمل أو جملة تثير اهتمامي، مهما بدا تافهًا أو عابرًا. هذه الملاحظات تعتبر بمثابة مصدر ومحفز للبحث والتفكير العميق في الموضوعات التي تثير اهتمامي. إنها النقطة الأولية التي منها تنبثق أفكاري وتتطور حتى تصبح أعمالًا فنية.

ما ھو مفھوم السعادة برأیك؟

السعادة ليست مجرد لحظات معزولة من الفرح، بل هي نتيجة للتوازن والإيجابية التي أحاول دمجها في حياتي يوميًا. إنها  تأتي من التوكل على الله والشعور بالامتنان حتى في الأوقات الصعبة ومن القدرة على رؤية الجمال في الأشياء الصغيرة.

ما هي اللحظة الفارقة التي غیرت رؤیتك للحیاة؟

إن اللحظات التي تُعدّ فارقة في تحويل نظرتي للحياة ليست محصورة في حدث واحد مُعيّن، بل تتمثل في سلسلة من التجارب التي أثرت في فهمي للتعددية الثقافية والفكرية. هذه التجارب قد أوقظت فيّ إدراكًا عميقًا بأن الحياة تُرى من زوايا متعددة، وأن الحكم المُسبق على الأفراد يعكس عدم الإلمام بالتعقيدات التي تُحيط بظروفهم. هذا الفهم للتنوع والاختلاف قد عزز من قدرتي في محاولة  لقبول وفهم العالم بكل تعقيداته، وأن كلنا بشر نخطئ ونصيب ونفرح ونحزن.

أول عمل فني قمت باقتنائه؟

أول عمل فني اقتنيته كان من فنان يبيع لوحاته في شوارع فينيسيا في التسعينات. اقتنيت منه ثلاث لوحات صغيرة مائية. كلما نظرت إلى هذه اللوحات الصغيرة، يعود بي الزمن لتلك الفترة المعينة من حياتي، وهو ما يجعلها ليس مجرد أعمال فنية، بل جزءًا من تاريخي الشخصي.

مكان یشبھك؟

أعتبر نفسي نتاجًا للأماكن التي قمت بزيارتها والتي تركت بصماتها على شخصيتي.

رغم أن هناك مواقع كثيرة لم آزرها و لم تُدرج بعد في خريطة تجاربي، إلا أن لحظات الجلوس على شاطئ أي بحر عند حلول الغسق تُسطر لي تجربة نفسية عميقة تُجسد معاني السكون والطمأنينة.

أقرب عمل فني إلى قلبك؟

أحد الأعمال الفنية التي لها تأثير عميق عليّ هو (Palimpsest) للفنانة دوريس سالسيدو. هذا العمل هو تركيب فني يُعنى بالحداد والذاكرة والاحتفاء، وهو مُكرس لجميع اللاجئين والمهاجرين الذين فقدوا حياتهم في محاولة عبور البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي بحثًا عن حياة أفضل. العمل يتميز بقوته الفنية و يتناول موضوعات مثل الفقد، والألم، والأحلام، والنضال، بالإضافة إلى الحالة الزائلة للحياة.

ممارساتك المعتمدة من أجل كوكب أرض أكثر استدامة؟

رغم الاعتماد الجزئي على تقنيات الذكاء الصناعي في ممارساتي الفنية، إلا أني لا أغفل عن الأثر البيئي المحتمل لهذه الأدوات التكنولوجية. إن التوازن بين الابتكار والاستدامة يُعد تحديًا يتطلب منا جميعًا التدبر والتفكير العميق. نحن نعيش في عالم يتسم بالتكنولوجيا والتنقل السريع، وكلاهما يحمل نصيبه من التلوث البيئي. ولكن إيماني بفكرة أن التغييرات الصغيرة والتدريجية  لها أثر كبير على مدى الوقت. فالخطوات الصغيرة واللفتات المتفرقة، عند تجميعها، يمكن أن تُسهم في تحقيق تأثير كبير وإيجابي على صحة كوكبنا. إن هذا النوع من الوعي والمسؤولية يُعزز من قيمة الاستدامة ويُحفز على تبنيها كجزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية.

كتاب أو أغنیة أو فیلم یمثلك في ھذه المرحلة؟

أنا مغرمة بالأدب الخيالي العلمي والفانتازيا، لأنها تُحرّك الخيال وتُظهر لنا ما هو ممكن، وتُعطينا الفرصة للتفكير في حدود الإمكانيات البشرية.

حلم حیاتك؟

أحلم بتحقيق السلام والأمان لكل من يعز علي، وأن يعيش العالم حالة من الاستقرار والسلام المستدام.

ملاذك الأخیر؟

خالق الكون هو ملاذي الأول والأخير.

كامل الصور بإذن من الفنانة دانية الصالح

اقرؤوا أيضًا:

No more pages to load