
بودكاست جديد يهدف إلى تسليط الضوء على الأزمة الاقتصادية في لبنان
تتناول سلسلة Kerning Cultures (كيرنينج كلتشرز)، التي ستصدر هذا الخريف، السبب الجذري للانهيار الاقتصادي في لبنان
أصبحت برامج البودكاست الاستقصائية أكثر شهرة ورواجًا الآن. ولا يوجد أفضل من شبكة كيرنينج كلتشرز في هذا المجال، التي تعد أول شركة بودكاست ممولة من المشاريع في الشرق الأوسط. وتقدم أول برنامج بودكاست لها في مجال الجرائم ويُدعى عملية سرقة لبنان (The Lebanon Heist) الذي من المقرر صدوره في الخريف. وهو سلسلة من ستة أجزاء تتعمق في الأسباب الجذرية التي أدت إلى الأزمة الاقتصادية في لبنان، التي أدت إلى حرمان ملايين المواطنين اللبنانيين من مدخراتهم وسرقتها. وستمثل السلسلة مخاطرة كبيرة بالنسبة للفريق، حيث إن المضيفين دلال معوض وفينبار أندرسون، والمنتجة التنفيذية دانا بلوط مواطنون لبنانيون، ولكن حالة فين مختلفة قليلًا، حيث أمضى سنوات في العيش وتقديم الأخبار في البلاد. ومثلهم مثل باقي مواطني لبنان والمشتتين منهم، خلّفت الأزمة أثرًا سلبيًا كبيرًا عليهم. وحكت لنا دلال قائلة: “إنها قصة شخصية أثرت في بشكل كبير وفي الأشخاص الذين أحبهم. لقد فقدت كل مدخراتي حرفيًا. وزوجي فقد كل ما ادخره، ووالداي وأصدقائي.”
منذ عام 2019، غرقت البلاد وجميع سكانها في أزمة اقتصادية عميقة، تسبب فيها مزيج من سوء الإدارة الاقتصادية، وارتفاع الدين العام، والفساد، وعدم الاستقرار السياسي. حيث أدت سنوات من الإنفاق الحكومي المفرط وسوء الإدارة المالية إلى عجز كبير في الميزانية وإلى مستويات ديون تصعب السيطرة عليها، حيث فقدت الليرة اللبنانية 90% من قيمتها، مما جعل الحكومة تفرض إجراءات صارمة تحد من الأموال التي يمكن للمودعين سحبها من حساباتهم الخاصة وتفرض قيودًا على تحويل الأموال إلى الخارج، مما تسبب في صعوبات مالية لا يمكن تحملها للأفراد والشركات. وبالتالي جعلت مستويات التضخم الهائلة من الصعب على الناس تحمل تكاليف ضروريات الحياة الأساسية مثل الغذاء والوقود والأدوية، وكذلك أدت عمليات تسريح الموظفين على نطاق واسع وإغلاق الأعمال إلى دفع العديد من المواطنين اللبنانيين إلى الطبقة الفقيرة.
وأضافت دلال قائلة: إن دراسة جميع الأبحاث والتفاصيل لمعرفة ما حدث هي إحدى الطرق لمحاولة فهم ما حدث لي شخصيًا، ولأجد إجابات لأسئلة كثير من اللبنانيين مثلي، من الذين فقدوا كل شيء. هناك دافع لنا كصحفيين للبحث عن الإجابات والحقائق طوال الوقت، لكنني مدفوعة أيضًا بتحقيق العدالة، حيث أواصل البحث عن تلك العدالة الغائبة عن البلاد.
كانت فكرة البودكاست من أفكار فين، الذي عاش وعمل كمراسل في لبنان. وما دفعه لذلك هو الإحباط من عدم وجود اهتمام كافٍ بهذه القضية الحساسة، التي كانت لها تداعيات مدمرة، ليس فقط على لبنان، ولكن على نطاق أوسع بكثير. وقرر نقل فكرة البودكاست إلى شبكة كيرنينج كلتشرز الحائزة على عديد من الجوائز، وأعجبتهم الفكرة وبدأوا العمل على السلسلة على الفور، وجعلوا دلال مضيفة شريكة للسلسلة مع فين.
يمتلك كلا الصحفيين سنوات من الخبرة في تغطية الأخبار، لذا فقد كانا متحمسين لهذه الفرصة للتحدث باستفاضة عن تجاربهم الشخصية وأزماتهم، وهو أمر لا تسمح به العديد من وسائل الإعلام الأخرى الأقل تعمقًا في القضية.
وفسرت المنتجة التنفيذية دانا هذا الأمر قائلة: الشيء الجميل في هذا البودكاست هو أن المستمعين قادرون على متابعة التجارب الشخصية بتفاصيلها. وعلى عكس القصص الإخبارية المكونة من 500 كلمة، أو الأشكال الأخرى من وسائل الإعلام، فإن البودكاست يسمح بمتابعة قصص المضيفين حتى نهايتها، لتقرب المستمعين منهم قدر الإمكان. إنها تجربة شاملة للمستمع، وليست مجرد قصة يسمعها.
من المقرر إطلاق البودكاست باللغتين الإنجليزية والعربية، وستكون دلال المسؤولة عن العربية، وفين عن الإنجليزية، بنصوص وأنماط استضافة وضيوف مختلفين. ويعتبر ذلك تحديًا ولكنه ضروري، حيث تستضيف لبنان مجموعة متنوعة من اللغات. بالإضافة إلى أن الفريق يأمل في توصيل الرسالة إلى كل من المتابعين في الشرق الأوسط والأجانب، وقد يتطلب توصيل الرسالة إلى الأجانب مزيدًا من السياق والشرح. يوضح فين قائلًا: أعمل [حاليًا] على مقدمة الحلقة الأولى، وهو تحدٍ ليس بالسهل. فمقدمة دلال أقصر بكثير لأننا نفترض أن المتابعين يعرفون القليل عن لبنان، بينما في حالتي، أفترض أن متابعي هذا البرنامج ربما لا يعرفون شيئًا عن لبنان على الإطلاق.
وأضاف قائلًا: غالبًا ما يتم اختزال لبنان في بعض العبارات الرنانة؛ متحدثًا عن ميل وسائل الإعلام الدولية والجماهير إلى القصص “الأخرى” القادمة من منطقة جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا، حيث تعتبر المآسي “طبيعية”، أو ليست موضوعًا حرجًا غير مألوف. ثم توافقه دلال قائلة:أعرف أشخاصًا في فرنسا، حيث أعيش الآن، ولم يسمعوا بما حدث في لبنان. قابلت شخصًا الأسبوع الماضي وكانت ردة فعله: “أوه، هل فقدتِ مدخراتكِ حقًا؟!” وهذا أمر متكرر، بسبب أن وسائل الإعلام الدولية تقلل الاهتمام بالقضية، حيث تظهر لحظات لتغطية القضية ثم تختفي سريعًا.
يأمل الثنائي أن يساهم البودكاست في تعزيز المعرفة لدى الناس وإحداث التغيير. يقول فين: يميل الناس إلى الاهتمام ببودكاست الجرائم والوقائع، كحادثة شخص اختفى على سبيل المثال، وهذه مأساة بالفعل، وهي مادة خام مناسبة للبرامج، ولكننا نتحدث هنا عن مصيبة بلد بأكمله! أتساءل دائمًا وأقول لنفسي “كيف يتجاهل الجميع هذه القضية؟” نأمل أن يجعل البودكاست الناس ينتبهون لما يحدث في لبنان.
التحديات في رواية القصة كثيرة، حيث لا سبيل لمعرفة كيف سينتهي الأمر وكيف ستحل الأزمة. علاوة على ذلك، لم يُظهر أي من الأشخاص العاملين في البنوك نية للتحدث، سواء بشكل رسمي أو غير رسمي. ومن هذا المنطلق، أجرى المضيفان مقابلات مع أشخاص من مختلف الأطياف، من الاقتصاديين والمؤرخين والسياسيين وحتى الأشخاص الذين تأثروا شخصيًا بالأزمة وتبعاتها، ومن بينهم سالي حافظ البالغة من العمر 28 عامًا التي انتشر فيديو لها على نطاق واسع لمداهمتها لأحد البنوك (باستخدام ما تبين لاحقًا أنه مسدس لعبة) وأخذ أموالها بالقوة لتمويل علاج أختها المصابة بالسرطان.
بالتأكيد، يعد تسليط الضوء على الجانب الإنساني وتأثير القصة على الناس أمرًا ضروريًا للفريق. “كيف تؤثر على الناس في حياتهم اليومية؟ من يتحمل عبء الانهيار الاقتصادي؟” ترد دلال قائلة: المودعون بمبالغ متوسطة وصغيرة هم أكبر المتضررين، ليست المؤسسة السياسية وليس الأثرياء ذوي العلاقات الكثيرة الذين تمكنوا من إخراج أموالهم. لقد أصبحت البلاد في حالة تقشف صعبة. فكل يوم يمثل تحديًا جديدًا للمواطنين. كيف يجدون الدواء ويدفعون ثمنه إن وجدوه، كيف يدفعون رسوم تعليم أطفالهم؟ لقد تأثر كل قطاع في الاقتصاد اللبناني بهذه الأزمة المالية – أقصد بهذه الأزمة السياسية. وتؤكد “إنها مشكلة إدارة حكومية”.
وكما توضح دانا، فهذه قصة معاناة يعيشها أشخاص من مختلف بقاع العالم. وتضيف قائلة: سرقة البنوك، وفعل أي شيء بأي ثمن من أجل الأشخاص الذين نحبهم، وفقدان كل شيء في الحياة، والصبر، والفساد، والاحتيال، وقضية المحكمة الدولية… إن القضايا والأزمات التي نتعامل معها ويتعامل معها الكثير من الأشخاص من جميع أنحاء العالم، تفوق طاقتنا.
وتضيف دانا: حتى واحدة من أقوى الدول في العالم [الولايات المتحدة] تعاني من احتمالية (حتى لو قليلة جدًا) حدوث انهيار اقتصادي، فالبنوك تغلق، وهناك حالة ركود ملحوظة. هناك سوء فهم كبير أو نقص في المعرفة حول ما يحدث لأموالنا بمجرد إيداعها في البنوك. ولا يعني ذلك أنني أدعو الناس إلى حفظ النقود تحت مراتب السرير كما فعل آباؤنا أو أجدادنا، لكنني أعتقد أنه يجب أن يكون هناك فهم أفضل لما يحدث لأموالنا وأن [وضعها في بنك] ليس [مثل] وضعها في خزنة وفي مكان نضمن أنها ستكون موجودة فيه دائمًا.
يذكرني عملهم وقصتهم ونهجهم بمقولة للكاتب الأمريكي جيمس بالدوين الذي قال “أحب [بلدي]، ولهذا السبب بالتحديد، أصر على انتقاده”. وهي مقولة يؤمن بمعناها الفريق. تقول دلال: لقد كرست معظم حياتي المهنية كصحفية للتحدث عن لبنان وإخبار الناس بما يحدث فيها، ولطالما قلت إنني لم أفعل ذلك لأنني أكره بلدي، بل على العكس تمامًا، أفعل ذلك لأنني أحبه.
وتضيف: إذا كنت تحب بلدك، فبالطبع تريده أن يكون مكانًا أفضل ولهذا السبب تذكر الجوانب السلبية وتسلط الضوء عليها، ولا تذكر دائمًا الإيجابيات طوال الوقت. فما نفعله نابع من الحب، كما تنتقد أطفالك عندما يفعلون شيئًا خاطئًا، فأنت تنتقدهم لأنك تحبهم، وليس لأنك تكرههم.
الرسوم التوضيحية: أوسكار يانيز. الصور: Shuttershock، مارتن بيورك، Unsplash.
من عدد هاربرز بازار العربية لشهر يوليو/أغسطس 2023