Posted inالثقافة

كيف بدأت وإلى أين تسير، ولماذا لن يكون لها مثيل؟ محمد عامر يتحدث عن الجونة في حوار خاص مع بازار العربية

محمد عامر لبازار العربية:”الجونة تقدم بيئة فريدة تجمع بين العمل والترفيه. نحن هنا لبناء مجتمع متكامل يدعم كل من يعيش ويعمل هنا. إذا كنت تبحث عن مكان يوفر لك الحياة الجيدة والعمل المثمر، فإن الجونة هي الخيار الأمثل”…

بأكثر من 12 كيلومترًا من الخطوط الساحلية، و7500 وحدة سكنية موزعة على 40 حيًا، يقطنها أكثر من 50 جنسية مختلفة، تأتي مدينة الجونة المطلة على البحر الأحمر كواحدة من أجمل الوجهات التي تطأها قدماك. هنا، يمكنك أن تشعر بالانفصال عن العالم الواقعي وتستمتع بلحظات تتنفس فيها الصعداء، كما لو لم يكن للعالم صخب أو صوت.

نجح مشروع الجونة كفكرة، وبجانب كونه واحدًا من أفضل الوجهات السياحية، تميز أيضًا بكونه من أبرز الأماكن لاستضافة المهرجانات السينمائية والفعاليات الثقافية بجميع جوانبها. هنا توجد الفرص للاستثمار، والاستمتاع، والتطلع، والطموح. ولأن الجونة تُعد نموذجًا بارزًا في كل شيء، أجرت بازار العربية حوارًا خاصًا مع المدير التنفيذي للمدينة، السيد محمد عامر، للحديث عن كواليس إدارة واحدة من أفضل الوجهات في العالم.

السيد محمد عامر – المدير التنفيذي لمدينة الجونة

نستهل حديثنا بتسليط الضوء على أهمية الرضا الوظيفي وضرورة توفير بيئة عمل صحية تشجع كل عامل على تقديم خدماته بحب وإخلاص. هذا الأمر نادرًا ما نجده حتى في أفخم المنتجعات والمدن السياحية العالمية لكنه متوافر في الجونة طوال الوقت. ولكن ما هي كلمة السر في ذلك، رغم المستوى العالي من الخدمات الذي يتطلب إشرافًا صارمًا ومراقبة جودة دقيقة؟

تتمثل كلمة السر في ثقافة المدينة. حيث تلهمنا المقولة الإنجليزية: “culture eats strategy for breakfast”، وهذا هو جوهر الجونة. ثقافة المدينة تجمع بين العمال والسياح وأصحاب المكان، حيث يشعر كل فرد بأهميته كجزء من نجاحها. منذ 35 عامًا، زرعنا هذا المفهوم في نفوس الجميع. العمال هنا لا يؤدون عملهم فقط، بل يرحبون بالزوار في بيوتهم.

والرضا هو العامل الثاني المهم، حيث يشعر كل موظف بالراحة في حياته اليومية. نحن نهتم بتوفير أساسيات الحياة بجودة عالية، من مدارس لأبنائهم إلى مرافق صحية متكاملة، مما يضمن لهم حياة كريمة.

الجونة من عيون صنعها: لماذا تعتبر مدينة الجونة مختلفة من وجهة  نظرك؟

الجونة ليست مجرد مدينة، إنها فكرة متكاملة. هنا، لم تبن المدينة من قبل حكومة، بل من قبل شركة هندسية وضعت رؤية واضحة لنمط حياة معين  لأكثر من 30 عامًا. الجونة تضم أكثر من 50 جنسية تعيش معًا في سلام، مع أكثر من 25 ألف مواطن دائم. لأنهم يجدون كل ما يحتاجونه. فالمدينة لا تشهد موسمًا محددًا للازدحام، فالسياحة هنا مستمرة على مدار العام، من الصيف إلى الشتاء، مع فعاليات مثل احتفالات رأس السنة وأنشطة التزلج.

والجونة كمدينة سكنية تسلط الضوء على بناء إنسان مبدع ومثقف. نحن نقدم خدمات صحية وتعليمية عالية الجودة، مع مدارس خاصة مثل “منارة” التي تستقطب الطلاب الموهوبين من جميع أنحاء مصر. كما نقدم منح دراسية لضمان فرص متساوية للجميع.

لا أريد الإطالة لكن لا أستطيع أن أعبر عن مدى إعجابي بالمدينة دون ذكر الاستدامة فهي جزء أساسي من ثقافة الجونة. نحن نجمع 70% من المخلفات ونعيد تدويرها، ولدينا أكبر محطة للطاقة الشمسية في القطاع الخاص. كما أن 65% من وسائل النقل هنا كهربائية، مما يعكس التزامنا بالاستدامة البيئية.

إن تعيينك كمدير تنفيذي لمدينة الجونة جاء بعد مسيرة مهنية حافلة بالنجاحات في مجال الاستضافة وإدارة المدن على مستوى عالمي، بدءًا من بريطانيا وأمريكا اللاتينية وصولًا إلى أفريقيا. فما الذي استطاعت الجونة أن تتفوق فيه ولم تجده في باقي الأماكن الأخرى؟

باختصار، لا يوجد أي مكان في العالم يوفر جودة المعيشة التي تتمتع بها الجونة. رغم تجربتي في العديد من المدن، بما في ذلك ميامي الأمريكية، فإن الراحة النفسية التي توفرها الجونة لا مثيل لها. هنا، يمكنك تحقيق توازن مثالي بين الاسترخاء والتحفيز على العمل. لا يوجد ازدحام مروري، مما يجعل التنقل داخل المدينة سريعًا ومريحًا.

هل تبحث عن ملاذ هادئ للاسترخاء، أم أنك من عشاق الحفلات والنشاطات؟ في الجونة، ستجد كل ما ترغب فيه. فهي وجهة غنية بالخيارات تقدم لك أكثر من 670 منفذًا للمأكولات، مع أكثر من 110 مطاعم تقدم أشهى الأطباق من مختلف المطابخ العالمية، بدءًا من اليابانية والصينية وصولًا إلى الهندية.

وإذا كنت من محبي الرياضة، فالجونة لديها الكثير لتقدمه. يمكنك الاستمتاع بمجموعة متنوعة من الأنشطة المائية مثل التزلج على الماء أو السباحة في البحر. هنا، يمكنك أن تكتشف شغفك وتستمتع بكل لحظة في حياتك.

كما تعتبر الجونة، بفضل مهرجانها السينمائي، واحدة من أكثر الوجهات شهرة على المستوى العالمي. هذا المهرجان لا يضيف فقط شهرة للمدينة، بل يجذب أيضًا مجموعة متنوعة من الزوار والسياح. تقدم الجونة فعاليات فنية وثقافية ورياضية على مدار السنة، مما يجعلها واحدة من أكثر الوجهات تنوعًا في الفعاليات.

تخيل أنك محاط بفعاليات مختلفة تقريبًا كل أسبوع! الجونة تستضيف بين 50 إلى 60 حدثًا سنويًا، بما في ذلك بطولة العالم لصيد الأسماك. مهرجان الجونة السينمائي، الذي يركز على الشباب، هو من أبرز الفعاليات التي تبرز المواهب الجديدة وتدعم المشهد الفني.

ومن الجوانب التي أحبها في مهرجان الجونة هو تركيزه على الشباب. هناك فعاليات مثل “سيني جونة” التي توفر منصة للمواهب الناشئة، مما يساعد على تعزيز الثقافة والفن في المدينة. هذا النوع من الفعاليات ليس مجرد حدث، بل هو فرصة للشباب ليظهروا إبداعاتهم.

في مقابلات سابقة مع المهندس ساميح ساويرس والأستاذ عمرو منسي، أشاروا إلى أنهم يسعون جاهدين لتغيير الانطباع السائد بأن المهرجان ليس له أهمية وأنه يركز فقط على الإطلالات. عندما يتعرض المهرجان لمثل هذه الانتقادات، هل يؤثر ذلك سلبًا على السياحة داخل المدينة؟

من لم يتعرض للانتقاد لن يعرف طعم النجاح، ومهرجان الجونة هو مجرد قطرة في بحر من الانتقادات التي تحيط بالمهرجانات وحفلات توزيع الجوائز العالمية. على سبيل المثال، حفل توزيع جوائز الأوسكار لا يتعرض فقط لبعض الانتقادات في المنشورات، بل هناك برامج مخصصة بالكامل لانتقاده والسخرية من السجادة الحمراء وما يمر عليها من إطلالات. لذلك، لا أرى أي معنى سلبي للانتقادات الموجهة للمهرجان. فإن النقد لا يضر بل يعكس أهمية الحدث. الجونة تستقبل ردود الأفعال المختلفة، ولكننا نركز على القيمة التي نقدمها للسياح والمجتمع.

مع ظهور أسابيع الموضة في العالم العربي، هل تخطط الجونة لاستضافة فعاليات مماثلة قريبًا؟

بالطبع، نحن نسعى لتنظيم فعاليات أكبر من مجرد عروض الأزياء. نريد أن نخلق منصة لدعم المواهب الناشئة في مجالات التصميم والأزياء، مما سيساهم في تعزيز ثقافة الموضة في مصر. خصوصًا أننا نمتلك قدرات ومواهب جبارة لا يمكن التفريط بها أو تجاهلها.

ناهيك من الجونة كوجهة سياحية وترفيهية وسكنية، ما الذي يشجع المستثمرين الأجانب والعرب على اختيارها كوجهة للاستثمار في ظل الظروف الصعبة التي يشهدها الشرق الأوسط؟

الجونة مستقرة تجاريًا، وأرقامنا في البورصة معلنة ومعروفة. فنحن نعمل على ثلاثة قطاعات رئيسية: التسويق العقاري، الفنادق، وإدارة المدن. هذا التنوع يضمن استقرار المدينة، مما يجعلها وجهة مثالية للمستثمرين الذين يبحثون عن فرص جديدة. ويجعلنا نتسم بالتكامل الاستثماري حيث تشكل المدينة تآلفًا فريدًا. لدينا العديد من المستثمرين الأجانب في قطاعات مختلفة.

ونحن دائمًا نفتح أبوابنا، لكن ليس للجميع، بل لمن يشاركنا هدفنا الرئيسي في النهاية. إذا كان لديه أفكار وقدرة على تنفيذ المشاريع التي نرغب بها، فنرحب به، ولدينا بالفعل العديد من هؤلاء المستثمرين. نتعاون معهم في إنشاء مجتمعات متعددة. لكنها ليست مجرد مجتمعات عابرة، لأننا، والحمد لله، لم نواجه مشاكل في التنفيذ. ومع ذلك، يجب أن يكون هناك توافق مع هدفنا الرئيسي.

كيف تتعامل مع التحديات التي تواجهك في إدارة المدينة؟

أرى التحديات كفرص للنمو. هناك صعوبات، لكننا حققنا نموًا غير مسبوق. مشروع “توبان” هو مثال على ذلك، حيث سنوفر مساحات سكنية وتجارية وخدمات صحية، مما يعكس التزامنا بتطوير المدينة. لذلك لا أتحدث أبدًا عن الصعوبات والتحديات بهذا المفهوم بل استمد منها الإيجابية كفرصة للتطوير.

كيف ترى مستقبل الجونة، وما هي الخطط التي تعمل عليها؟

نحن نعمل بجد على مجموعة من المشاريع التي تهدف إلى جذب المزيد من السكان والمهنيين إلى الجونة. من أبرز هذه المشاريع هو “جي فالي”، الذي يمتد على نصف مليون متر مربع. يضم هذا المشروع مناطق سكنية وتجارية، بالإضافة إلى فندق مخصص للاجتماعات والمؤتمرات. أيضًا، أطلقنا “جونة بيزنس بارك” الذي يركز على استضافة الشركات الصغيرة والمتوسطة، مما يوفر بيئة عمل ملائمة.

لقد لاحظنا طلبًا كبيرًا على مساحات العمل، لذا قمنا بإنشاء “جي سبيس” كمنطقة مخصصة للشركات الصغيرة. هذا يساعد الشركات على العمل بكفاءة ويجعلهم جزءًا من مجتمع الجونة. نحن نستهدف زيادة عدد السكان الدائمين من 25 ألف إلى 70 أو 80 ألف، مما سيساعد على دعم النمو الاقتصادي.

كيف ترى مستقبل الجونة، وما هي الخطوات القادمة لتحقيق هذه الرؤية؟

نحن نطمح إلى جعل الجونة مدينة متكاملة تحتوي على كل ما يحتاجه السكان من خدمات ومرافق. نحن في مرحلة متقدمة من تطوير المدينة، ونسعى دائمًا لتحسين وتوسيع الفرص المتاحة. هدفنا هو إنشاء مجتمع يضم كل عناصر الحياة العصرية.

المدينة شهدت توسعًا كبيرًا وزيادة ملحوظة في أعداد السكان، سواء كانوا سياحًا، رجال أعمال، أو مقيمين. ولكن مع هذا التوسع، تظهر تحديات جديدة. كيف تدار الأزمات في الجونة؟

تتطلب زيادة السكان والخدمات إدارة فعالة للأزمات. تحتاج الجونة إلى استراتيجيات قوية للحفاظ على جودة المساعدات والخدمات. هنا يأتي دور الإدارة الفعالة، خاصة في مجالات الأمان وتقديم الخدمات. إن التحدي يكمن في الحفاظ على توازن بين التوسع والتنظيم.

الجونة إلى أين؟

الحمد لله، لدينا الآن رؤية واضحة لتطوير الجونة. نحن نملك أكثر من 37 مليون متر مربع من الأراضي، مع خطة لتطوير أكثر من نصفها. هذه الرؤية تستند إلى أهداف استراتيجية ستساعدنا في تقديم أفضل الخدمات والمرافق للسكان والزوار.

كل هذا ينقلنا إلى أجمل ما في الأمر وهو الاحتفاء بالنجاح وتلقي الإطراءات، ما هي ردود الأفعال التي تلقاها محمد عامر وأحبها عن الجونة؟

ما يثير الفخر حقًا هو رؤية أبناء الجونة، الذين ولدوا هنا، يحققون إنجازات عالمية. مثلًا، ناتلي لامبرافت، بطلة العالم في الكايت سيرفنج، هي مثال على كيف يمكن للشباب المحلي أن يتألق على الساحة العالمية. هناك أيضًا العديد من المشاريع التجارية التي بدأت في الجونة وحققت نجاحًا كبيرًا، مما يساهم في تعزيز صورة المدينة. هذا بالنسبة لي أهم من أي ردود أفعال إيجابية أو حتى شعرًا كُتب عن المدينة.

بعيدًا عن العمل، نريد أن نعيش تفاصيل يومًا كاملًا في حياتك داخل الجونة…

الحياة في الجونة ليست فقط عن العمل. الكثير من السكان يستمتعون بأوقاتهم في البحر أو في الفعاليات المختلفة. هناك دائمًا شيء يحدث، مما يجعل كل يوم فريدًا. بالنسبة لي، أحب قضاء عطلات نهاية الأسبوع في البحر على اليخت، والتمتع بجمال الطبيعة.

برغم المحاولات؛ هل سيكون للجونة شبيه؟

عندما نتحدث عن إمكانية إنشاء مدن مشابهة للجونة في دول أخرى، أرى أن هناك جوانب سحرية يصعب نقلها. الجونة ليست مجرد مكان، بل هي تجربة فريدة من نوعها. ومع ذلك، فإن النجاح الذي حققته الجونة يشكل مثالاً يحتذى به، ويجعلنا دائمًا في الصدارة.

اقرؤوا أيضًا:

No more pages to load