قصة حقيبة… من معرض تراث هيرميس في الدوحة
يستضيف متحف قطر الوطني الفصل الرّابع من سلسلة معارض تراث هيرميس المتنقّلة، بين 28 مايو و11 يونيو 2022
تعكس علامة هيرميس العلاقة بين الماضي والحاضر، وبين التقاليد والحداثة. وكل حقيبة من تصميم الدار هي أكثر من مجرّد تصميم جميل، بل هي عمل فنيّ، تجسيدٌ فلسفي، سردٌ قصصي، وتعبيرٌ اجتماعي يشغل موقعاً مهماً في ثقافة المجتمع.
ويسلّط معرض تراث هيرميس قصة حقيبة: كان يا ما كان!، الذي أقيم في مكتب المعهد الموسيقي للابداعات بفرنسا، الضوء عل تاريخ دار هيرميس من خلال مجموعة مهمة من القطع المحفوظة والتي تعود إلى فترات تبدأ من القرن التاسع عشر وحتى اليوم. ويتميز المكتب بلمساتٍ قديمةٍ كلاسيكية، مطلًا على حديقة خضراء خلف المناطق المعاصرة لمدينة باريس؛ حيث يلتقي التاريخ بالحداثة.
ليأتي معرض قصة حقيبة، الفصل الرابع من سلسلة معارض تراث هيرميس المتنقّلة في أواخر شهر مايو، ليستعرض تاريخ العلامة منذ بدايتها وحتى اليوم في متحف قطر الوطني. حيث تزور هاربرز بازار المعهد الموسيقي للابداعات التابع للعلامة لتسلّط الضوء على ما ينتظر زوّار المعرض في الدوحة.
فبعد معارض هارنسينق ذا روتز، وغوج هيرميس وإين موشون، يأتي معرض قصة حقيبة: كان يا ما كان!ليستعيد تاريخ حقائب الدار الأيقونية، ويجمع بين حرفية التصميم والقصص الملهمة، ليمنح زوّاره تسلسلاً زمنياً يوثق قطع العلامة الاستثنائية من الأرشيف وحتى الآن.
يحتضن مكتب المعهد الموسيقي للابداعات مجموعة من الحقائب التي تنتظر نقلها إلى الدوحة. ويتم حفظ كل حقيبة في مساحةٍ مخصصة للقطع الثمينة والحساسة، حيث يتم التحكم بدرجة الحرارة والإضاءة المناسبة. تقول ماري أميلي: “لا تقتصر هذه المجموعة على قطعٍ من أرشيف العلامة، بل تعكس التجدد الدائم لفريقنا المبدع. ولا تعود معارض تراث هيرميس لمجرّد التاريخ القديم؛ بل هي مصدرُ إلهامٍ متجدد”.
نبدأ مع تصميم من العام 1931 والمحفوظ بعناية في علبة من جلد العجل. وتعكس حقيبة الكلتش، التي تتناغم مع ساعة Ermeto، بصمة الدار في النزاهة والريادة، معبرة عن الاحتياجات المتغيرة للنساء في فترة تصميمها. حيث تقول ماري أميلي لهاربرز بازار: “اكتسب السفر أهميةً أكبر خلال تلك الفترة. وبدأت النساء بالسفر والعمل بحرية أكثر من قبل. وكان هذا الشعور بالحركة جزءاً مهماً من تحرر المرأة في ذلك الوقت”.
كما كانت عنصراً رئيسياً في تطور الدار، مما دفع أميل هيرميس للانطلاق بالعلامة نحو آفاقٍ جديدة في عشرينيات القرن الماضي، بما في ذلك التركيز على الألبسة الرياضية والمنتجات الجلدية والمجوهرات. ومع تطور السفر أكثر، أصبحت حقائب اليد أخف وزناً وبتصاميم أكثر ابتكاراً مع نماذج جديدة تجمع بين الابتكار والخبرة الفنية، مع فهمٍ دقيق للمتطلبات المتغيرة للعالم المتطور. وتضيف ماري أميلي: “لهذا السبب تمّ تصميم مثل هذه القطع، حيث يمكن حملها إلى أي مكان”.
ويظهر هذا التوجه نحو النشاط والحركة والمفهوم الفلسفي للحرية في قطعةٍ أخرى محفوظةٍ في الأرشيف. وتقول ماري أميلي عن الحقيبة الأيقونية التي صممتها كاثرين شالييه عام 1967 وأطلقت عليها اسم ابنتها: “هذه نسخة أولى من Constance”. وتتميز الحقيبة بقفل على شكل حرف H، إضافةً إلى حزامٍ قابل للتعديل يسمح بحملها على الكتف أو باليد. “يتيح الحزام للنساء المشي بحريةٍ أكبر، دون الحاجة إلى حملها على الذراع. وكان هذا الحزام حينها حركةً مبتكرةً ولمسةً عصريةً”.
كما تبرز حقيبة فاخرة مخصصة للسهرات من نهاية خمسينيات القرن الماضي، وتتميز بمساحة مخصصة لوضع أحمر الشفاه، مما جعلها مثالية للسيدات عند التنقل. وتظهر لمسة التجدد في وجود السحّاب لأول مرة في تصميم الحقائب؛ وهي فكرةٌ استمدها أميل هيرميس من إحدى رحلاته إلى الولايات المتحدة، حيث كانت تستخدم في أسقف السيارات الجلدية. وفي عام 1922، حصل على الحقوق الحصرية لاستخدام هذه الآلية وبدأ باستخدامها في العديد من حقائب الدار بما فيها Sac pour l’auto. ليجمع النموذج الأول للحقيبة مع سحّاب بين سهولة الحركة وضمان الخصوصية، إلى جانب اللمسة المبتكرة الخاصة بالعلامة.
من المذهل كيف يمكن للحقيبة أن تكون وسيلة تعبيرٍ اجتماعي، فهي تتحدّث عن الفترة الزمنية الخاصة بتصميمها وتُركّز على النواحي الاجتماعية والثقافية والتغيرات السياسية فيها. وتتحدث ماري أميلي عن أهمية تصاميم الأرشيف في عالم الموضة: “يخبرنا كلّ جزءٍ من التصميم عن المجتمع الذي نعيش فيه.
ويظهر هذا الأمر بشكلٍ أصدق مع الحقائب، وذلك لأن هذه القطع تحمل جانباً عملياً أيضاً. ما الذي كانت المرأة تضعه في حقيبتها؟ يتغير ما تحمله المرأة في حقيبتها بحسب المكان الذي تذهب إليه، فيختلف بين حضور فعاليةٍ في النهار أو سهرة في الليل، أو فيما إذا كانت تسافر من مكانٍ إلى آخر. وفي القرن التاسع عشر، اعتادت النساء حمل حقائب يدٍ صغيرة، وذلك لأنهنّ لم يكنّ يسافرن كثيرًا، ولم يسافرن لوحدهنّ أبدًا.
وبدأ ذلك التغير بدءًا من عشرينيات القرن الماضي، وواكبت إنتاجات علامة هيرميس هذه التغيرات”. وتضيف ماري أميلي مشيرةً إلى ملصقٍ قديم معروضٍ على الحائط: “يُظهر هذا الإعلان هنا سيدةً على متن القطار تحمل حقيبة Sac Mallette، وهي نوع جديد من الحقائب تسمح للمرأة بحمل كل ما تحتاجه، من المجوهرات الفاخرة أو مستحضرات التجميل والعديد من الأشياء الأخرى. وبذلك كانت حقيبة عملية جدًا. حيث توضّح هذه الحقيبة تطور المجتمع في تلك الفترة من الزمن”.
يركّز معرض قصة حقيبة على توضيح تلك الفترات والأجيال التي عاشتها. ويوصف المعرض بأنه “مغامرةٌ حرفيّةٌ وإبداعية تجمع بين الذاكرة والحداثة”. ويقام بالتعاون مع برونو غوديشون، أمين متحف La Piscine للفن والصناعة في مدينة روبيه، ومصممة الإنتاج لورانس فونتين. ويعتمد تصميم المشاهد على رواية قصصية تتجاوز الترتيب الزمني، وتركّز على أوجه التشابه بين قرابة خمسين تصميماً ونموذجاً معاصراً من مجموعة Conservatoire of Creations التابعة للدار، ومجموعة إميل هيرميس لتشكّلا مجموعةً مميزةً من الإبداعات.
تقول ماري أميلي: “كان من المهم لنا أن نقدّم توجهًا استكشافيًا جديدًا لهذا المشروع، ولذلك عملنا مع برونو غوديشون للتوصل معًا إلى مفهوم المعرض. وتناقشنا كثيرًا في المعرض والمواضيع التي يركّز عليها، وعائلات الحقائب، والمشابك؛ لننطلق منها إلى تحديد أجزاء المعرض.
وهنالك بعض الأقسام البديهية، فلا يمكن الحديث عن الحقائب دون وجود حقيبة Kelly على سبيل المثال، أو Constance. وفي بعض الأحيان كنا نجد أنفسنا نبدأ بقطعةٍ أو تصميم، ثم نبني حولها حوارًا كاملاً أو العكس تمامًا، بحيث نبدأ بالبحث عما يهم علامة هيرميس أكثر: الجانب العملي، أصالة التصميم، الإبداع. ننظر في هذه الجوانب ونبحث عن القطع التي تعكس كلاً منها”.
ويبدأ المعرض باستعراض تاريخ حقيبة Haute à Courroies، التي صممها هيرميس في مطلع القرن العشرين. وجاءت لتواكب متطلبات عالم الفروسية وتكون نقطة انطلاقٍ لتوسع اختصاصات الدار لتشمل المنتجات الجلدية. ويضم المعرض، الذي يتوزع على عدّة محاور ومواضيع، مساحةً مخصصةً لعائلات الحقائب المختلفة مثل الكلتش، حقائب السيدات، بما فيها حقائب Kelly وConstance وSimone؛ وحقائب الرجال مثل Sac à dépêches وCityback الرياضية؛ وحقائب السفر بما فيها Plume 24h ،Herbag والحقائب الرياضية. وتسلط هذه المساحة الضوء على المراحل التي مرّت بها قصّة كلّ نوع.
ثمّ يصل زوّار المعرض إلى غرفةٍ مخصصة للمشابك التي تمّ تصميمها بدقةٍ فائقة. وينتقلون بعدها إلى ركنٍ يضمّ نماذج حيويةٍ من ثمانينيات القرن الماضي من تصميم جان لويس دوما، رئيس العلامة من عام 1978 إلى عام 2006، والتي أبدع خلالها في استخدام الجلد لتصميم حقائب مرحةً وغريبة. ويركز المعرض في الختام على النماذج التي تحلّق إلى آفاقٍ بعيدة، بتصاميم من حكايات الخيال، تعكس خبرة الدار الاستثنائية، مع حقائب مثل Birkin Sellier Faubourg وKelly plumes.
توضّح ماري أميلي: “يستكشف معرض قصة حقيبة تاريخ الإبداع. ويساعد زوّاره على استكشاف الروابط بين تصاميم الماضي وإبداعات الحاضر. وتتميز كل مساحة بطابعٍ مختلف، فنجد الطابع الحيوي في منطقة عرض عائلة الحقائب، وتبدو الحقائب كأنما تطفو في الهواء وسط عدد من الصور والرموز؛ بينما يغلب اللون الأسود على منطقة عرض المشابك مع خلفية موسيقية لصوت فتح وإغلاق العديد منها. ويعبّر قسم الحقائب الغريبة والحيوية Bags of Mischief عن الأحلام والإبداع، حيث تظهر الحقائب كما لو أنها ترقص معاً”.
يذكّرنا هذا المعرض بالمكانة الاستثنائية التي تشغلها حقائب علامة هيرميس في التصور الثقافي العام. وتوضّح ماري أميلي ذلك: “السر وراء شهرة هذه الحقائب هو جودة المواد المستخدمة، وعلاقة العلامة مع عالم الفروسية من القرن التاسع عشر، التي جعلتنا ندرك الأهمية الكبيرة لاستخدام الجلود”.
وأصبح موروث العلامة في مجال الفروسية، وتصميم قطعٍ تتميز بالبساطة والخفة والجودة العالية، مع القدرة على تحمّل جميع الظروف، ميزةً حاليةً لجميع حقائب هيرميس. “عملنا على تصميم حقائب يمكن أن تنتقل من جيلٍ إلى آخر. ولطالما كانت الاستدامة عنصرًا أساسيًا لدى علامة هيرميس منذ بداياتها، وذلك لأن جودة ومتانة الجلد يضمن ديمومة الحقيبة”.
وتشهد التصاميم الأيقونية التي استعرضناها خلال حوار هاربرز بازار مع العلامة على التزام الدار بالاستدامة، فهي قطعٌ فنيةٌ أصيلة تعبّر عن الأوقات الماضية. لتختتم ماري أميلي: “يمثّل الموروث الثقافي بالنسبة لي وسيلةً لفهم طريق عيش الناس فيما مضى. وغالباً ما تكون الصورة النمطية للمتاحف بوجود قطعٍ قديمةٍ مغبرّةٍ، إلاّ أنّ المعهد الموسيقي للابداعات يظهر كمكانٍ للخيال والأحلام. وهذا ما نريد مشاركته مع الآخرين، هذه هي القيم التي يحملها المعرض”.
كما أنها أيضاً القيم والمبادئ الجمالية التي حملتها علامة هيرميس، حيث تربط بين الماضي والحاضر، لتحفظ القطع الفنية والحكايات التي تحملها وتشاركها لتتابع تألقها وريادتها، بعيدًا عن مجرّد التخزين، بل انطلاقًا نحو آفاق جديدة بحيوية وتألق.
أقيم معرض تراث هيرميس بين 28 مايو و11 يونيو في متحف قطر الوطني.
الصورة الرئيسية / كيونغ سوب شين
نشر مسبقًا في عدد هاربرز بازار قطر لصيف 2022.