عين بازار الفنانة منال الضويان
Posted inهاربرز بازار أخبارالفنانون

عين بازار: الفنانة منال الضويان تؤرخ الواقع بفكرها الأسود والأبيض

أعمال منال الضويان تشهد على شأن التحول الثقافي الحساس والحاسم بصورة مبتكرة تروي تاريخ عماد المملكة وتوثق أحوالها

نادرًا ما يُفهم التحول بمثل الأسلوب الفلسفي الفريد للفنانة السعودية منال الضويان، إذ تعمل فنون الضويان منذ فترة طويلة على استجواب العادات المتحيزة التي تؤثر على المرأة السعودية بصورة مباشرة؛ وبالتالي المرأة ككل. فيما تتغير وتنموا فنون منال بانتظام على مدى الأعوام، ابتداءًا من الصور الفوتوغرافية الحازمة للمرأة العاملة وذات المهارة – بالأبيض والأسود – في مجموعة أنا هنا 2005؛ وصولًا إلى أعمال تحركها الأبحاث لتوثيق الصمت الإعلامي بشأن حوادث الطرق المميتة التي تنطوي على تنقل معلمات المدارس.

حيث تنبع أعمال منال الضويان من تجارب معيشية تعكس المواجهات الحميمة بين الظلم الاجتماعي ومخاض الذاكرة والنسيان. لتأتي ممارسات الضويان في منطقة يتداخل فيها شأن الهوية والسياسة؛ بصوتها القوي الذي يتباين فيه العام مقابل الخاص، التقليدي مقابل الحديث، والمجتمع مقابل العالم.

هنا تنطلق سلسلة عين بازار لتأخذك في رحلة من الداخل؛ من أجل تأمل خبايا فنانوا المملكة والتعرف على أبعادهم الفلسفية. حيث تفتتح عين بازار باسم الفنانة منال الضويان:

1. الأسود والأبيض هو …

تجريد لفكرة بصرية! فأنا أعتبر الألوان تأخذ من اللحظة التي يتفاعل معها المشاهد مع العمل الفني؛ وأرى أن الأسود والأبيض نوع من التجريد لفكرة فنية.

2. كيف هو واقع العالم اليوم برأيك؟

واقع العالم اليوم! سؤال غريب؛ أتوقع أننا نتفاعل الآن مع البيئة والتغيرات البيئية التي تحصل في كل العالم إذا كنا نتكلم على الصعيد العالمي. هناك توجه من المهتمين بالبيئة في أعمالهم، كتاباتهم ونمط حياتهم؛ بأن يبحثون حلول جديدة من ناحية التفاعل مع هذا العالم اللي هو بيتنا الوحيد – وإذا ما اهتمينا في بيتنا سنكون من غير بيوت شبه (مشردين). أعتقد أن هذا واقع العالم اليوم؛ لابد أن ننتبه إلى التغيرات البيئية التي تحصل على أرضنا وبحارنا؛ وتأثير هذه الظواهر على الشعوب.. نرى الحرائق التي تحدث في كل أنحاء العالم، الشتاء القارص والصيف شديد الحرارة. بالنسبة لي هذا أول ما خطر لي فيما يخص واقع العالم اليوم.

3. ما الذي يدفعك للاستيقاظ وممارسة حياتك اليومية؟

طبعًا، تمر على الإنسان أيام جيدة وأيام تسير على نحو غير مستحب. ولكن نستيقض على كل حال.. ما يحفزني على التفائل بالحياة هو حبي وشغفي للفن. أنا أعمل في الاستوديو الخاص بي يوميًا؛ وإن لم أكن أعمل على إنتاج الأعمال فكان بالكتابة أو البحث أو القراءة. كما أنني لا أنهض من نومي للعمل وحسب؛ بل لعائلتي وأحبائي وأصحابي وعلاقاتي المجتمعية التي تدعمني في ممارسة الفنون.

4. كيف يمكن وصف رحلتك الفنية حتى الآن؟

هي ليست رحلة لأن الرحلات تكون قصيرة؛ لها مكان.. بداية ونهاية. ولكنني أسير في مشوار طويل؛ كانت بداياتي منذ 20 عام تقريبًا حيث شاركت في أول معرض جماعي لي في العام 2004 وأقيم أول معرض فردي لي في العام 2005. ولا أزال حتى اليوم أعيش مشاعر الحماس والخوف، وأبحث في كل معرض أشارك فيه كأنه المعرض الأول لي؛ وأعتقد أن هذا جزء من الشغف، إذ أنني أجد الفرحة دائمًا في إنجاز أعمال جميلة تحرك المشاعر وترضيني كفنانة، وهذا جزء من مشوار الانتاج.

رحلتي الفنية بدأت كبدايات بسيطة بين مجتمعي وأهلي وأصحابي؛ هم أول من وقفوا أمام كاميرتي أو شاركوا في أعمالي الجماعية، مثل: مشروع اسمي أو شجرة الذاكرة. الآن، هذا المجتمع نفسه يحضر افتتاحات معارضي، ويقرأ عني في الصحف والمجلات، ويدعمني. وبعد 20 عام من الخبرة أحس بنفسي تغيرت، وكبرت ثقتي في نفسي؛ طريقة إنتاجي للأعمال تغيرت أثناء تقدمي. تزيد خبرتي في الحياة كل سنة؛ وتتغير أعمالي معي في هذا المشوار.

5. ما هو مصدر إلهامك الأكبر بالنسبة لكِ في هذه الفترة؟

تضل المرأة العربية مصدر الإلهام، ولكن رؤيتي تحولت لأني أعرض عالميًا الآن؛ حيث أصبحت أبحث عن قضية المرأة بشكل عالمي هذا واحد من الأشياء التي تلهمني. كما استمد الإلهام من مواقف وخبراتي في الحياة، رحلاتي، وزياراتي للأماكن التاريخية وقراءاتي لكتب ومؤلفين جدد. كلهم مثل الزرعة التي تدخل فيني كمغذيات تقوي فكري وتعطيني الإلهام في أعمالي الفنية.

6. كيف تبدأ طقوس ممارستك الفنية؟

بدايةً لابد من أن يكون الاستوديو مرتب ولكن بطريقتي الخاصة؛ يمكن أن اسميها: فوضى منظمة. ثم أبدأ بالقراءة، ومشاهدة صور أعمال فنية أحبها لفنانيين قدامى أو معاصرين وأطلع كذلك على أعمالي القديمة وأتأكد من أفكاري في فترة من الفترات ونظرتي لهذا العمل اليوم. كل ذلك يساعدني على الاستدامة في ممارساتي الفنية التي استمرت على مدى سنين طويلة؛ وواكبت أحداث تاريخية وتغيرات محلية وكذلك عالمية. وحتى توجد الاستمرارية بالفكر لابد أن ننظر قليلًا للوراء وقليلًا للأمام.

7. ما هو مفهوم السعادة برأيك؟

السعادة برأيي شيء لا تكتسبينه وإنما تعيشينه، يمكن لأي منا أن يلاحظ السعادة في كل يوم من أيام حياته. لكن لابد أن تلاحظيها؛ لابد أن تريها وتعبرين عنها أو تعطيها: “نعم كان هذا الموقف سعيد”. أما إن كنت أبحث عن السعادة كأني لا أعيشها أو سأكسبها في يوم من الأيام فهذا مشوار نهايته صعبة. علينا أن نجد السعادة في لحظات بسيطة في حياتنا اليومية وأن نفتح أعيننا وقلوبنا وأرواحنا لهذه المواقف حتى نستوعب أنها لحظات سعيدة في حياتنا.

8. ماهي اللحظة الفارقة التي غيرت رؤيتك للحياة؟

ليس لدي إجابة لهذا السؤال؛ لحظة فارقة .. لا أذكر لحظة فارقة في حياتي. أنا أعتبر أن الحياة مشوار نتعايش فيه؛ نمر أحيانا في أحداث مهمة تحفر في ذاكرتنا من مرحلة الطفولة، أو الشباب، أو المراهقة، مع التقدم في العمر، ودخول مرحلة الأربعين، والتطلع للخمسينات.. سأبلغ الخمسين في السنة المقبلة، كل لحظة لها أهميتها بالنسبة لي أحتفظ فيها في مثل الجدول، تاريخ أو روزنامة لها مواقف مهمة تساعدني على اختيار توجهاتي في الحياة ومن الممكن أن يبقى تأثيرها على مدى سنين طويلة.

9. أول عمل فني قمت بإقتنائه؟

أنا لا أقتني الأعمال أنا فنانة إنما أتبادل الأعمال مع فنانيين أحبهم كشخص وأحب انتاجهم؛ واقنائي للأعمال يكون شخصي جدًا أو عن طريق الإهداء.

10. كلمات تصف هويتك؟

دقيقة، شغوفة، أحب الإتقان بالعمل والإخلاص، المصداقية، وجود الحب؛ الحب مهم في حياة الفنان وحياة أي إنسان.. المحبة للحياة والمحبة لتجربتي الإنسانية البسيطة.

11. أقرب عمل فني إلى قلبك؟

الأعمال الفنية التي أنتجها كأنها أولادي؛ كل عمل له مكانة مهمة في قلبي. لا يمكن أن أختار من بينها؛ إنما يمكن أن أذكر أعمالاً فنية رسمت مشواري: أول صور التقطتها بالأسود والأبيض.. مجموعة أعمالي: الاختيار – ومجموعة أنا. هذه أول مجموعتين من أعمالي الفنية وكنت جدًا سعيدة بأني طرحت الفكرة على أخواتي وصديقاتي وقد تجاوبوا معي، الآن بهذا العمر يمكن أن أعود إلى تلك اللحظة وأتساءل كيف وافقوا على دعمي؛ ما الذي يدفعهم إلى التفرغ لي في ذلك الوقت، فقد جاؤوا والتقطوا الصور واستمتعوا بفكرة العمل الفني التجريبية ولم أكن فنانة معروفة في ذلك الوقت ولم يكن مشواري واضحًا. ولكنهم دعموني بكل بثقة.

النقلة الثانية كانت وفاة والدي التي أدخلتني في مرحلة أنتج خلالها أعمالاً كثيرة حولها؛ خاصة الأعمال المختصة بالذاكرة والحياة الغير مؤرخة والذاكرة الجماعية. كل ذلك ظهر في أعمالي: إذا نسيتك فلا تنساني، ومجموعة ما كانت بيننا أحلام مشتركة.

12. ممارساتك المعتمدة من أجل كوكب أكثر استدامة؟

نعم، تأثرت منذ العام 2019 بفكرة الاستدامة والمحافظة على كوكب الأرض الذي يعد بمثابة الأم. بدأت أشتغل بالأعمال التي تخص البيئة وأحاول الآن أثناء إنتاج أعمالي أن أدرس مدى تأثيرها على البيئة عند إنتاجها. نعم توجد أخطاء ونعم هناك تجاوزات على البيئة ولكننا عندما ندرسها نبدأ بالتفكير بعمق عما يمكن أن نغير مستقبلاً، سواء بتفادي ركوب الطائرات بكثرة؛ أو تفادي نقل الأعمال بطريقة غير صحيحة، كأن تنقل عن طريق القوارب بدلًا من الطائرات. أحاول أن أتفادى البلاستيك في أعمالي، أعمل بمواد طبيعية وأحاول أن أقدم الدعم لمجتمع الحرفيين من خلال أعمالي؛ فهم أقرب الناس للأرض وما تعطيه لنا كمواد خام – هم يعملون بما تنتجه الطبيعة وينتجون أعمال جميلة ليس لها أي تأثير بيئي على كوكبنا.

ومن الأعمال المهمة اللي عملتها عن البيئة ياترى هل تراني، مجموعة النطيطات الموجودة في العلا وأعمال أخرى ستظهر في السنوات المقبلة.

13. كتاب أو أغنية أو فيلم يمثلك في هذه المرحلة؟

لا يوجد ما يمثلني، أنا أجد الوحي والاستيحاء من مختلف الأشياء.. أحياناَ في المقالات، وأحياناً في الكتب. متأثرة بكتابات النسوية الفلسطينية سحر خليفة، أنا متأثرة جدًا بكتابات الأمريكية أنجيلا ديفس. أحب قرائة التاريخ خاصة في الآثار والممالك القديمة، أقرأ كثيرًا بالكتب والانترنت بفكرة ما هي الممالك الموجودة في العلا لأنها تتبع لقصتنا كعرب وشبه جزيرة عربية. أما الأغاني فأنا أسمع من القديم لأم كلثوم وعبدالحليم حافظ إلى الجديد، مثل: المغنية السعودية تام تام. وأحب الراب العربي والانجليزي لأن فيها ثقافة تناقش قصص وأحوال المجتمعات.

14. حلم حياتك؟

حلم حياتي أن أعيش الحياة بصحة، أكون قريبة من أهلي ومجتمعي وأن أنتج أعمالاً لها تأثير مستدام على بيئية والفكر؛ وتنعش الحوار والنقاش التاريخي عن تجربة المرأة العربية والسعودية. وأن أكون جزءاً من الحوار الفني العالمي الذي يستبعد الفن القادم من العالم العربي فقط لأن كتب الفن التاريخية كتبت في الغرب؛ ولكن سأحاول أن أصحح هذه التجربة وهذا التاريخ الذي يستقصينا ويضعنا جانبًا تحت زعم: أن الفن العربي له مكانة ولكن ليس مع الفن العالمي.

هذا حلمي الأكبر ولا أعتقد أنني الوحيدة التي تعمل على تغيير هذا المفهوم، ولهذا السبب أدعم البحث الأكاديمي، للطلبة، والقيمين الفنيين عندما يكتبون كتبهم.. أن نحاول الكتابة برقي، ذلك (يساهم في توثيق) التاريخ والفكر الفني لمنطقتنا بطريقة تواكب أحداث العالم أجمع لنرتقي بثقافتنا وتاريخنا.

اقرؤوا أيضًا: بسمة السليمان تشاركنا “ما يبقى في الأعماق” بمقتنيات حفظتها لسنوات عديدة

No more pages to load