
إرث رفيع المستوى: المصممة السعودية فاطمة عابد الثقفي نجمة غلاف هاربرز بازار السعودية
فاطمة “تيما” عابد تنسج قصيدة تحتفي بجذورها السعودية عبر خطٍ من الأزياء الراقية يحمل اسمها؛ بمثابة تحيّة شعرية نقلتها إلى المسرح العالمي.
“لو طُرح عليّ هذا السؤال في العام 2004، لابتسمت ابتسامة من لا يتقن لغة البلد الذي يقف فيه”. بهذه الكلمات تستهل فاطمة عابد حديثها عن رحلتها نحو الشهرة في المملكة. “في البداية، كان الأمر كالسير في طريقٍ مجهول دون أي خارطة، مسار مجهول المعالم. الحقيقة أنني لم أسعَ يومًا ليكون اسمي علامة تجارية”. غير أن عقدًا من الجوائز والتكريمات يؤكّد عكس ذلك.

تجسّد علامة فاطمة السعودية الفاخرة التي تحمل اسم تيما عابد، لقاءً بين عالمين. بخلاف معظم الدول التي تصنّف الموضة تحت مظلّة الغرف التجارية، تتولّى وزارة الثقافة في المملكة العربية السعودية مسؤولية الإشراف على صناعة الأزياء المحلية، كإشارة إلى تداخلٍ عميق بين الثقافة والموضة.
هذه السمة تميّز هذه العلامة المرموقة، إذ أن كل تصميم يعبّر عن رقصةٍ فنّية بين الأقمشة الفاخرة والزخارف المستوحاة من جمال المملكة المتنوّع، وهي محبوكة بعنايةٍ تعكس التحوّلات التي شهدتها المملكة على مرّ السنين.
تأسّست العلامة منذ عشرين عامًا على يدّ ابنة جدّة، وأصبحت اليوم اختيار النخبة من المشاهير والشخصيات البارزة، أمثال أصالة نصري وميلا الزهراني، اللواتي يتألقن بتصاميمها في مناسباتهن المميزة.
كحال العديد من المصمّمين السعوديين في ذلك الوقت، كانت بدايات فاطمة متواضعة، إذ كانت تصمّم حسب الطلب لعملائها. “لا أحب تسميتهن بالعملاء، هن ضيوفي وزوّاري. كل قطعة هي بمثابة عمل فنّي فريد، والمجموعة هي عبارة عن متحفٍ فنّي”.
بعد مرور عقدين، أصبحت فاطمة في مقدّمة مشهد الموضة الإقليمي، كونها تمثّل المملكة ضمن مبادرة 100 براند سعودي، وتعرض تصاميمها في صالات عرض أشبه بالمتحف.
“تغيّرت العلاقة بين الزمن والموضة بشكلٍ كبير، ولكنني لا أكترث بالصيحات. فالأزياء الراقية تبقى متصدرة، لأنها فن خالد لا يتأثر بتقلّبات الزمن”.
بالنسبة لفاطمة، تعتبر العلاقة الأهم هي تلك التي تربطها بهويتها السعودية، كونها ترغب بأن يعرف العالم عن المملكة وأن تأخذ مكانتها المستحقّة على الساحة العالمية. “من خلال تعمقي في عالم الموضة، اكتشفت غنى هويتنا وعن مدى جهل العالم بنا. هذه الهوية كانت الدافع الأكبر لتحويل فني إلى حرفةٍ وصناعةٍ سعودية”.
بينما يمكن الشعور بروحها الوطنية في كل جملة تتغنى بها شعريًا، تتأرجح إطلالاتها ما بين جمالياتٍ مبالغ بها ترضي الذوق المحلّي وبين لمساتٍ تتسم بالرقة والبساطة ترضي أذواقًا خارج حدود المنطقة.
“رأيت تأثير هويتنا الأصيلة على الذوق العالمي ووصفتني الصحف الفرنسية بكوكو شانيل العرب، ويا له من شرفٍ عظيم! لكن كوني ابنة الصحراء التي شكّلت جوهري ونحتت هويتي، يجب أن أملك بصمتي الخاصة. تمثيل بلدي في أي فعالية أو مناسبة، يجعلني أرغب في أن أكون على طبيعتي: فالهوية السعودية بحد ذاتها تميزني”.


تمامًا كتميز هويتها، أصبحت علامتها مشهورةً بسماتها الفريدة: أنثوية بفضل قصّاتها الهندسية الجريئة والمتناغمة مع الأقمشة على شكل طيات، مما يخلق توازنًا بين القوّة والنعومة، بدلًا من التصادم.
“لا أعتقد أن التعرّف على تصميم لتيما أمر صعب أو يتطلّب جهدًا كبيرًا، فهناك بصمة فنية تميّز كل مصمّم عن غيره”، تعترف بكل ثقة. “لكن بالطبع، هناك عوامل أخرى تؤثّر على عملية التصميم، كروح الشخصية بالإضافة إلى الحالة المزاجية والفصول. كل هذه العوامل الخارجية تتداخل لتساعدني في تشكيل إبداعاتي. فكما نقول (دوام الحال من المحال)”.
تعترف فاطمة بأنها تعيش في حالةٍ دائمة من التقلّب المزاجي. “ربما ساهمت فوضى عواطفي ومشاعري إلى خلق مساحةٍ شخصية، أستطيع من خلالها تجسيد هويّتي كمرأة سعودية، على مسارٍ ثابت، واضح ومنهجي، بهدف الوصول العالمية”.
“المشهد في المملكة اليوم يعكس فرحةً حقيقية واحتفالًا بإبداعٍ لا حدود له”. من الجدير ذكره أنها حازت على جائزة مصمم العام في حفل جوائز هيئة الأزياء الذي أقيم خلال شهر يونيو. “نحن كسعوديين، لا نقتبس من التجارب العالمية، بل نصنع طريقنا الخاص ونبني إرثنا بإبداعنا الفريد”. في العام الماضي، كانت من أوائل المصممين الذين عرضوا مجموعتهم للخريف والشتاء في أوّل أسبوع موضة يقام في الرياض. كما، حظيت بشرف افتتاح أسبوع الموضة في البحر الأحمر، الذي انطلق للمرّة الأولى في مايو الماضي.
بينما تستعد للعودة إلى أسبوع الموضة في الرياض خلال الشهر المقبل، ما هي خطواتها القادمة ؟ “رغم شعوري ب التجدّد الدائم، إلا أنني على أعتاب التوسّع في مجالاتٍ جديدة. فلندع عنصر المفاجأة يكشف عن نفسه في المستقبل القريب”.
كذلك، وجّهت فاطمة رسالةً إلى منتقديها قائلةً: “تعاملوا معي كما تتعاملون مع أي دار أزياء عالمية. فإن تاريخي وتاريخ بلدي يحملان ما يكفي لترك بصمةٍ قوية تجذب الأنظار وتجعلنا محط الاهتمام”.
من عدد هاربرز بازار السعودية لخريف 2024
رئيسة تحرير المجموعة: أوليفيا فيلبس. مديرة تحرير هاربرز بازار السعودية: ناتاشا فاروق. تصوير: مازن أبو سرور. تنسيق أزياء: نور بو عز. حوار: مريم مصلي