الرقص الخليجي فن الفلكور الخليجي
Posted inهاربرز بازار أخبارالترفيهالثقافةالفن

المحافظة على حضور الرقص الخليجي: جهود امرأة واحدة في التعريف على هذا الفن وإحياءة

تشرح شريفة الزياني في السطور التالية كيف تجمع عروض الرقص في الفلكلور الخليجي بين الموروث الغني وبين رواية القصص الثقافية حول المنطقة، والأسباب التي تجعلنا نحافظ على هذا النوع من الفنون للأجيال القادمة.

لطالما لعبت التجارب الموسيقية وفنون الرقص دورًا مهمًا في ثقافة الشعوب. حيث تعكس عروض الرقص الخليجي أهمية الموروث الغني للمنطقة؛ من خلال رواية قصص ثقافية شيقة عنها. مثل العرضة السعودية التي كانت في السابق استعراضًا للقوة، بينما تعد اليوم جزء من الفعاليات الثقافية والاحتفالية. وحتى الغناء الفجيري البحريني والقطري والكويتي الذي يعتمد على الشعر والآلات الإيقاعية والتصفيق الإيقاعي ليروي حكايا البحر المستوحاة من حياة غواصي اللؤلؤ. أمّا في فن العيالة الإماراتية والعمانية، فيقف المؤدون صفاً واحداً ويستخدمون الطبول والدفوف والصنج النحاسي لتمثيل مشهدٍ من معركة.

شكّلت الرياضة والرقص جزءًا مهمًا من حياة شريفة الزياني، مُدرّسة التربية الرياضية ومنسقة الأغاني البحرينية. فقد اعتادت في طفولتها تقليد العروض التي كانت تشاهدها على التلفزيون الوطني البحريني خلال احتفالات العيد أو اليوم الوطني. 

بينما تتعلم شريفة الزياني في المدرسة رقص الباليه والأيروبيك مع بعض الحصص المخصصة للرقصات الخليجية الفلكلورية. وتوضّح شريفة: “كنا نعلم الخطوات بالفطرة، فالجميع يعرف الحركة المناسبة لهذا الإيقاع أو ذاك”. وعندما أنهت سنوات المدرسة، اختارت شريفة تدريس التربية الرياضية بسبب شغفها بهذا المجال: “عندما بدأتُ التعليم في المدارس الحكومية، وجدت أنّ الجيل الجديد لا يجيد تأدية هذه الرقصات، وتتناقص معرفته حول هذا النوع من الفنون مع مرور السنوات”.

قاد حب شريفة للموسيقى والرقص أن تتوجه إلى تنسيق الأغاني في عمر الأربعين لتقدّم عروضها الموسيقية في الأعراس والحفلات الخاصة، وهناك لاحظت أن النساء في مثل سنها وحتى الأصغر منها لا يجدن هذه الرقص الخليجي الفلوكلوري أيضاً.

وساءها أن ترى هذا الفن التراثي الجميل وهو يتلاشى. وعلى الرغم من جهود الهيئات الحكومية في المناطق المختلفة للحفاظ على هذا النوع من الفنون، وحصول هذه الإرث على تصنيفٍ من اليونسكو، لا تزال الرقصات الفلكلورية الخاصة بالنساء تفتقر إلى الشهرة والتوثيق الرسمي. 

وتوضّح كاي هاردي كامبل، الكاتبة والباحثة في مجال الموسيقى والرقص الخليجي، أنّ هذا النمط الخاص من العروض لا يقتصر على حركات الرقص؛ “بل يشمل الأداء وثوب النشل، وهو رداء مليئ بالألوان والتطريزات، مع الموسيقى والكلمات والإيقاع في جو احتفالي. وليس الرقص سوى عنصرٌ واحدٌ في هذه اللوحة”. وتوضح كاي أنه كان من المألوف رؤية الرجال والنساء يؤدون هذه العروض سوية في الاحتفالات العائلية التي تقام في ديوان المنزل أو الصالون. ففي دولة الإمارات على سبيل المثال، كانت النساء والرجال يؤدون الرقصات في صفوف، بينما يرقصون بشكل ثنائيات في اليمن.

وتضيف شريفة: “عند ظهور وسائل الإعلام في بداية الستينيات، كانت النساء، وبالأخص في الكويت، يشاركن في تأدية العروض العامة”. لكن مع ظهور أشكالٍ ترفيهية أخرى، بدأت تقلّ عروض الأداء الخليجية ويصعب إيجادها: “انتشرت موسيقى البوب بقوة وغطّت على الفنون الفلكلورية، ومع ظهور الاقتصاد القائم على النفط، ازداد تركيز النساء على التعليم، ودخول مجال العمل أو التفرغ لإنشاء عائلة”. 

من ناحيةٍ أخرى، واصلت المراكز الثقافية، مثل المعهد العالي للفلكلور في الكويت والمجتمع السعودي للثقافة والفلكلور، والجهات الراعية للفن جهودها للحفاظ على هذا الموروث من خلال تحويل أشرطة التسجيل القديمة وأشرطة الفيديو إلى صيغةٍ رقمية وإعادة نشرها على يوتيوب. وكان لشريفة محاولةٌ للمساعدة في إنقاذ الموروث المنسي من خلال البحث والتوثيق، فبدأت مقابلاتها مع قريباتها الأكبر سناً ممن يمتلكن خبرةً في كيفية الرقص لتسجّل منهنّ خطوات الرقصات الخاصة بالنساء. وكانت تطرح سؤالاً: “لدينا الإيقاع والأغنية، لكن أين هي خطوات الرقص؟ لم يكن لدي فكرةٌ عن الحركات المطلوبة حتى رأيت عمتي تؤديها.

كما واجهت صعوباتٌ أخرى، ففي بعض الأحيان لم تكن متأكدةً من الإيقاع بسبب التشابهات الكثيرة بين الرقصات. وفي أحيان أخرى كانت ترتبك عندما تجد نفس الأغنية يؤديها عدة فنانين مختلفين بألحان متنوعة. وحاولت شريفة أيضاً التواصل مع مؤدي الرقصات من الرجال الذين تعلموا حركات الرقص الخليجي من أمهاتهم أو جداتهم. كما استعانت بأشرطة التسجيل القديمة والفيديوهات المتوفرة على الإنترنت. واستغرقت شريفة حوالي السنتين لإنهاء بحثها المكثّف وعملها الميداني، وتدور نتائج عملها حول ثلاث فئات رئيسية هي الرقصات المتأثرة بالطابع البدوي أو الصحراوي، والرقصات بالطابع الساحلي، وتلك التي تضم عناصر من بلدانٍ مختلفة.

وفي البحرين هناك رقصة اسمها المراداة وتعود أصولها إلى القبائل البدوية، حيث تقف النساء في صفين متقابلين ممسكاتٍ بأيدي بعضهن البعض، ومن ثمّ يقمن بخطواتٍ إلى الأمام والخلف. وحسب التقاليد، كانت الفتيات غير المتزوجات يؤدين هذه الرقصة أمام أمهات الشباب المقبلين على الزواج. أمّا في رقصة الخيل البدوية؛ تقوم النساء بتحريك أيديهن والتمايل بشعرهن. 

حيث يعود مصدر رقصة البسطة إلى العراق ويتم تأديتها في المجتمعات الساحلية في الكويت والبحرين وعُمان والمملكة العربية السعودية. وتشير شريفة إلى الحركة السريعة للأكتاف والرأس في رقصة البسطة وتدعوها مازحةً بالروك أند رول الخليجية. 

وأخيرا يظهر الأثر الأفريقي والهندي على رقصاتٍ مثل الليوة، حيث يغني الرجال مع الموسيقى بينما يجتمعون بشكل دائرة حول آلة الطنبورة مع طبلٍ يتم تعليقه على الخصر. وعندما بدأت شريفة توثيق رحلتها على انستقرام بنشر مقاطع تبيّن حركة قدميها فقط بدايةً وصولًا لمقاطع تبين كامل جسمها، حيث تلقّت العديد من الطلبات لتعليم النساء الرقص الخليجي.

تقول شريفة: “ومن أكثر الرقصات المطلوبة رقصة السامري، وهي نمطٌ هادئٌ بحركةٍ بطيئة لكنّها مليئة بالمشاعر. وتحمل الكلمات معاني الحزن والشوق للمحبوب”. وتوضّح ذلك من خلال التمايل على الإيقاع بينما ترتدي ثوبًا وشيلةً تغطي وجهها بشكلٍ جزئي؛ لتتمايل خطوتين جانبيتين إلى اليمين وخطوتين إلى اليسار. ومن ثمّ تميل ببطء وتكرر نفس هذه الخطوات من البداية.

“يبقى هنالك الوصمة والإحساس بالخجل لعدم معرفة كيفية الرقص؛ وكان ذلك يتطلب سريةً في العمل. فقد ترغب إحداهنّ بتعلم الرقص الخليجي لأنها تريد أن تشارك بشكلٍ لائق في مراسم عرس ابنها أو ابنتها الوحيدة”. بالإضافة إلى البحث والتوثيق، تقوم شريفة بتعليم مجموعة متنوعة من الطالبات، من الأوكرانيات والهنديات والسعوديات، في مناطق مختلفة من البحرين. “تتمتع هؤلاء الطالبات بالفضول لتعلّم معاني كلمات الأغاني ودلالات كلّ حركة. فهنّ يعتبرن البحرين وطنهن الثاني ويرغبن بالتعرف على ثقافتها العريقة”.

وتواصل شريفة دروسها في بلدها الأم، على أمل أن تزور دول الخليج الأخرى لتقوم بأبحاثها حول الرقص الخليجي التقليدي فيها وتوثيقه. وتعبّر كاي، بوصفها أكاديمية وباحثة في موروث الرقص والموسيقى في المنطقة، عن سعادتها لرؤية ما تقدمه شريفة وتأمل أن تلقى جهودها اهتمام المعاهد الثقافية. وتقول: “لعلّ عملها يكون مثالًا تحتذي به في مناطق أخرى من الخليج، وربما يصبح طريقةً لتوثيق وحفظ فلكلور الرقص الخليجي ونقله للجيل القادم من النساء”.

الصورة بعدسة آسيا جاغاديش

نشر مسبقًا على هاربرز بازار العربية / يونيو 2022

No more pages to load