
كيف أصبحت إيران خانم شخصية مؤثرة في عالم الأزياء في العقد التاسع من عمرها
تقدّم السيدة إيران خانم مثالاً يُحتذى عن الشخصية المؤثرة من خلال إطلالاتها المرحة والمبهجة، وهي النسخة الإيرانية من أيقونة الأزياء الأمريكية الشهيرة آيريس أبفل.
تحتفل إيران خانم، التي انتقلت إلى فرنسا منذ ست سنوات، بعيد ميلادها الثالث والتسعين هذا الشهر، بينما لا تزال تحاول التأقلم مع دورها الجديد كشخصيةٍ مؤثرة في عالم الموضة.
وتتواصل مع جمهورها الواسع عن طريق حسابها على إنستاجرام الذي يحتوي على الكثير من الصور للسيدة التسعينية النابضة بالشباب، وهي متألقة بإطلالاتٍ رائعة من تصميم حفيدها دانيال ميرزابور. وترفق إيران صورها بتعليقاتٍ مكتوبة بالتعاون مع ابنتها الصُغرى فاراناك أسديان، والتي تتنوع بين الرسائل العميقة حول تمكين النساء وحقوق المرأة والأقوال الحكيمة عن فلسفتها في الحياة. وتقتبس إيران خانم في أحد منشوراتها قول الكاتب الأمريكي مارك توين: “العمر هو حالة ذهنية. فإذا كنت لا تعيره اهتماماً، لن يكون قادراً على التأثير بك”، مرفقاً بصورة لها وهي ترتدي فستاناً مطرّزاً بالنقشات مع عقد كلاسيكي، إلى جانب ابنتها فريدة، التي تتألق بقميصٍ أبيض وتنورة باللون الوردي اللامع.
وفي منشورٍ آخر كتبت إيران خانم: “ماذا سيحدثُ لو عرفت اليوم والتوقيت الفعلي لرحيلك عن هذا العالم؟” وجذبت هذه منشورات إيران خانم ما يقارب 300 ألف متابع، من بينهم مشاهير في عالم الموضة، مثل الناقدة سارة موير ونيجين مرسالحي، سيدة الأعمال الهولندية الإيرانية الشهيرة ونجمة غلاف بازار السابقة.
ونجح هذا الحساب في إعطاء إيران، التي تعاني من مرض الزهايمر، فرصةً جديدة في الحياة بصفتها الشخصية المؤثرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط من هذه الفئة العمرية. وفي الوقت الذي سببت به حادثة وفاة مهسا أميني غضباً عالمياً، ظهرت إيران خانم وهي متألقة بإطلالةٍ مفعمة بالقوة والثقة تعبيراً عن رأيها بأهمية التحرر من جميع القيود وبما يعكس قدرة الأزياء والموضة على التعبير عن المواقف.
وتظهر إيران خانم في آخر منشوراتها على إنستاجرام وهي جالسةً على كرسي متحرك في طريقها للمشاركة في مظاهرة في باريس، مرتدية زياً أسود بالكامل من علامة Louis Vuitton ودبوس من ابتكار المصممة الإيرانية آزاده آيدن، بينما تحمل لافتةً تقول :”كونوا الصوت الحقيقي لإيران”.
ولطالما كانت إيران خانم عاشقةً للأزياء ومحاطةً ببيئة تهتم بالأناقة والجمال. وعمل زوجها لسنوات كسفير لدى آخر شاهٍ في إيران.
وعندما بدأت الثورة في عام 1979، تمت مصادرة جميع أملاك العائلة في إيران. وفي تلك الأوقات الصعبة، لجأت إيران خانم إلى عالم الجمال والأزياء كطريقةٍ لمواجهة الشدائد، وكانت الأناقة بالنسبة لها العامل الأهم مهما اختلفت الظروف وكثرت التحديات.
ويقول دانيال: “لا أزال أتذكر في فترة ما بعد الثورة عندما لم تكن جدتي تمتلك نقوداً لشراء مستحضرات العناية بالبشرة، كانت تستبدلها بقشور الفواكه. بينما كانت تشاهد الأخبار في المساء، كانت تضع قدميها في مياهٍ دافئة مع الملح، إذ لطالما حرصت على الاهتمام بأناقتها حتى في أصعب الظروف. ولم يكن الأمر متعلقاً بامتلاك المال ابداً، بل برغبتها بالعناية بنفسها.
ومع أن الحياة تغيرت كثيراً بعد الثورة، إلا أن جدتي حاولت جاهدةً الحفاظ على صورتها الأنيقة والجميلة باستخدام أبسط الأدوات”. على مدار العامين الماضيين، أصبح حساب إيران خانم على إنستاجرام شراكة عائليةً بامتياز، حيث ظهرت على الساحة كل من فاراناك وفريدة، اللتين ورثتا حب الحياة والذوق الرفيع والاختيار الأنيق للألوان من إيران. ومن وجهة نظر دانيال: “تمتد فلسفة إيران خانم الفريدة بعمر الـ 93 عاماً على ثلاثة أجيال يفصل بين كل منها 20 عاماً، حيث ورثتها عنها والدتي التي تبلغ من العمر 54 عاماً وخالتي التي تبلغ 74 عاماً”. وتعاون دانيال منذ سنتين مع مامان إيران لإطلاق موقع وحساب جديد بعنوان TheTabooBreaker@، لبيع تصاميم الكنزات التي تصفها إيران بأنها “تجمع بين اللمسات العصرية والمرحة، ومطرزة بمصطلحات وتعابير مستوحاة من ثقافة إيران وتراثها، ولكنها فقدت معناها الحقيقي وقيمتها الكبيرة في وقتنا الحالي”.
يضيف دانيال: “تسعى عائلتنا دائماً لدعم القضايا الثقافية ووضع حد لوجهات النظر العنصرية التي انتشرت في إيران وفي جميع أنحاء العالم لعقودٍ كاملة، بما في ذلك تهميش النساء والتعامل معهن كأفراد من الدرجة الثانية.
ونأمل بتحقيق أي خطوةٍ مهما كانت صغيرةً في هذا الاتجاه، لأنها ستصنع فرقاً كبيراً مع الزمن”.
أجرت مجلة هاربرز بازار العربية مقابلةً مع دانيال وفاراناك في مدينة باريس للتعرّف أكثر على حياة السيدة إيران خانم والتاريخ الشيّق لعائلتها خلال أحد أيام سبتمبر.
كيف تصفون عائلتكم؟
أجابت فاراناك بالنيابة عن والدتها إيران: “أعتقدُ أننا عائلة بسيطة وقوية في نفس الوقت، بإمكان كل فردٍ منها مواجهة الحياة بمفرده”.
دانيال: تتميز عائلتنا بأفرادها من السيدات القويات. وعلى الرغم من تقلبات الحياة، نجحنا بالحفاظ على علاقتنا كأسرةٍ متماسكة.
يصادف اليوم جنازة الملكة إليزابيث الثانية، الرمز الأيقوني للمرأة القوية والناجحة؛ أخبرونا عن دور إيران في دعم النساء؟
فاراناك: تلعب المرأة الإيرانية دوراً مهماً جداً في الأسرة والمجتمع في وقتنا الحالي على الرغم من أنها ليست تحت دائرة الضوء.
ما هي أبرز صفات جدتكم؟
فاراناك: حب الحياة.
دانيال: الشجاعة والجرأة.
ما هي الدروس الحياتية التي علمتها لكم السيدة إيران خانم؟
فاراناك: علّمتنا إيران أن الحياة مليئة بالتقلبات وألا ننخدع بلحظات النجاح أو الفشل، فكل شيءٍ مؤقت.
كما علمتنا التعامل بلطفٍ مع الجميع، بمن فيهم أنفسنا. دانيال: الصدق والإخلاص؛ وعلمتنا أن نكون على طبيعتنا دوماً، وأن نكون أقوياء وأن نحب الحياة ونستثمر كل لحظةٍ فيها حتى في الأوقات الصعبة. شجعتنا على التركيز على الحاضر والاستمتاع بحياتنا.
هل تعتبرون أنفسكم من الأشخاص القادرين على مواجهة الحياة والنجاة في أصعب الظروف؟
فاراناك: في الحقيقة، كلمة النجاة هي اختصارٌ لتاريخ عائلتنا.
كيف علمتكم إيران خانم مواجهة الشدائد؟
فاراناك: علمتنا الصبر والشجاعة والتفاؤل والحفاظ على المحبة والشغف وروح الفكاهة ودعم الآخرين لمواجهة مصاعب الحياة بالضحك.
دانيال، لقد انتقلت مع عائلتك إلى فرنسا بعمر 12 عاماً. هل يمكنك مشاركتنا بعض الذكريات عن نشأتك في إيران مع جدتك؟
دانيال: تأثّرت بجدّتي منذ كنت طفلاً، إذ لطالما شكّلت إطلالاتها عنواناً للأناقة، خاصةً عندما كانت ترتدي أغطية الرأس الزاهية،
وعلّمتني آداب السلوك، من كيفية الجلوس إلى طريقة تناول الطعام، وكل هذ التفاصيل التي لم تكن شائعةً جداً في منطقتنا.
هل أثّر نمط حياتها كزوجة دبلوماسي على شخصيتها وأسلوبها؟
دانيال: بكل تأكيد، حيث أمضت حياتها متجولةً بين الدول المختلفة، بما فيها باريس قبل الثورة وتركيا والحدود الروسية الإيرانية التي تعلّمت فيها فن قراءة الفنجان. وغالباً ما تدعونا جميعاً للاستمتاع بكوب من القهوة وقراءة حظوظنا.
ما الذي دفعك لإطلاق صفحة لجدتك على إنستاجرام باسم Sweet Sixty؟
دانيال: أردت أن أسلّط الضوء على خصوصية هذه الفترة من حياة الإنسان. وفي إحدى الأمسيات، كنا نحتسي الشاي ونتحدث عن المرأة الإيرانية وقلقها من بلوغ سن الستين، وعندها، قالت لنا جدتي بكل ثقة: “لم أفقد الشعور بالشباب يوماً”. ودفعتنا هذه الجملة للبحث عن طريقة لمشاركة هذا المفهوم مع الجميع. وأرادت جدّتي التأكيد على أن العمر مجرد رقم وأنه ليس عقبة أمام الاستمتاع بجمال الحياة واختبار التجارب والصيحات الجديدة. وهكذا عرضتُ عليها مشروع إطلاق صفحة خاصة بها، والذي فرحت به جداً ووافقت بكل سرور، وأبدت استعدادها بعد ذلك للخروج معي للقيام بجلسات تصوير مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع. وكانت سعيدة جداً بوضع مساحيق التجميل التي حرّكت بداخلها مشاعر الشباب، وساعدت في إبطاء أعراض الزهايمر. يمكنني القول بأن هذا المشروع منحها فرصةً جديدةً للحياة.
ما هي اتجاهات الموضة التي اعتمدتها لهذا المشروع؟
دانيال: أردنا اعتماد أزياء تتميز بلمسة جريئة وألوان زاهية، حيث ركّزنا أحياناً على إبراز عنصر الجاذبية، سواء في الصور التي ظهرت فيها جدّتي وهي ترتدي فستاناً بقصة مكشوفة عند الصدر، أو من خلال الوصف المرافق لتلك الإطلالات. وتمثّلت رسالتنا بالتأكيد على ضرورة الاستمتاع بالحياة مهما كانت الظروف. وبشكلٍ عام، لم نعتمد اتجاه واحد في عالم الموضة، بل كنا نصمم الإطلالات بحسب ما تتلقاه جدتي من هدايا من أبرز العلامات العالمية، مثل Gucci وLanvin وMarc Jacobs وDior.
ويبدي العديد من المصممين الإيرانيين رغبتهم بالتعاون مع جدتي الآن بعد أن أصبحت أيقونةً في عالم الجمال والموضة، وهي ترغب بدعم هؤلاء المبدعين لأنهم لم يحصلوا على فرصة حقيقية لاستعراض تصاميمهم على الساحة العالمية.
كيف تصفين حسّ الأناقة لدى والدتك؟
فاراناك: تتميز والدتي بذوقٍ خاص يعكس شخصيتها الفريدة، وهي لا تفضّل اختيار نمط أزياء معين لأن التوجهات المحددة تفتقر للتنوّع الضروري في عالم الموضة.
هل يمكنكم وصف خزانة إيران؟
فاراناك: أراها مسرحاً من الألوان.
دانيال (مازحاً): بطريقة مبالغ بها قليلاً.
هل تحضر إيران خانم عروض الأزياء؟
دانيال: لم تحضر جدّتي الكثير من هذه الفعاليات لأن شهرتها بدأت بالتزامن مع أزمة كوفيد-19، وبعدها أصيبت بالزهايمر، ولكن دائماً ما تتلقى الدعوات لحضور بعض العروض والفعاليات.
هل تستمتع إيران بجلسات التصوير؟
دانيال: تحب جدّتي جلسات التصوير، وتستمتع بوضع الماكياج وأجواء الاهتمام التي تحيط بها، كما تحبّ الذهاب معي لحضور افتتاحات المطاعم في باريس، حيث أطلب من المصور التواجد لالتقاط صور مميزة لها. ولا ننظر إلى حساب جدّتي على إنستاجرام على أنه وسيلة للكسب المادي، بل أعتبره هوايةً من الصعب التخلي عنها. وعندما أكون متعباً في بعض الأحيان وأخبر جدّتي بتأجيل نشاطنا إلى وقتٍ لاحق، تظهر عليها علامات الخيبة لأنها باتت شغوفةً بالخروج والقيام بحلسات التصوير.
كيف تفاعلت إيران مع شهرتها بعد أن أصبحت إحدى الشخصيات المؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي؟
دانيال: لقد منحها ذلك القوة، وهي فخورة جداً بنفسها.
كيف يتفاعل معها الناس في الشارع، وهل يعرفها الجميع؟
دانيال: تحظى جدّتي بشهرة واسعة في إيران، والجميع يعرفها هناك. وأخبرتني إحدى العلامات التجارية مؤخراً بأنها ستطلق عطراً يحمل اسمها.
يظهر في هذه الصورة التركيز الواضح على Gucci، فهل هي العلامة المفضلة لدى العائلة؟
دانيال: بكل تأكيد، أعجبتُ بتصاميم غوتشي منذ أن استلم أليساندرو ميشيل منصب المدير الفني للدار، حيث يمزج أسلوبه بين الثقافة الإيطالية وأحدث صيحات الموضة، وتظهر في تشكيلاته تفاصيل بديعة مستوحاة من فن العمارة في روما. كما تتميز أزياؤه بلمسةٍ حيوية حافلة بالألوان، ويتطابق ذلك مع الإطلالة التي رسمتها في مخيلتي لجدّتي.
هل تتابع إيران أحدث التطورات والصيحات في عالم الموضة؟
دانيال: بكل تأكيد، في السابق كنا نذهب للتسوق والاطلاع على أحدث صيحات الموضة، ولكنني أستعرض معها الآن الصور على الجهاز اللوحي. وأحياناً لا توافق على ذلك، ولكني غالباً ما أتمكّن من إقناعها.
هلّا حدّثتنا قليلاً عن مشروع The Taboo Breaker الذي تحاولون من خلاله الابتعاد عن العناصر التقليدية والصور النمطية.
دانيال: نبتكر كنزات فريدة تزينها عبارات متأصّلة في ثقافتنا مثل “شاب هتشاد تريغ” التي تعني “تحلّى دائماً بالمرح”، أو كلمات تقولها الأمهات لأبنائهن كي يعتنوا بنساء العائلة، مثل “أنت رجل البيت”. ولعلّ هذه العبارات هي التي أرست ثقافة مجتمعية منحت الرجل الحق بفرض حياة معينة على شقيقاته. وقد تبدو هذه العقلية ذكوريةً بامتياز، ولكن الأمهات هي التي ترسيها. كما نقوم بابتكار أيقونات رمزية معبّرة، كالتي تجسّد الشعور بالعار مثلاً. أمّا ريع المشروع فيعود لصالح جمعيات خيرية في إيران.
هل تعيشين في عائلة متحررة؟
فاراناك: بكل تأكيد، إذ نسعى للابتعاد عن التقاليد الاجتماعية البالية.
هل ورثتِ ذلك عن والدتك؟
فاراناك: بكل تأكيد، كما ورثت طبيعة بشرتها وشخصيتها العنيدة.
ما هو مفهوم إيران خانم عن الجمال؟
فاراناك: تختلف معايير الجمال من ثقافة إلى أخرى، ولكن الجمال بالنسبة لوالدتي يمثّل انعكاساً للمشاعر الداخلية، ويتطلّب ظهوره أن يتمتع المرء بالسلام الداخلي. متسلحةً بشغفها في عالم الموضة ورؤيتها الثقافية التي تدعم حقوق المرأة والعدالة الاجتماعية، إيران خانم تدخل قائمة مشاهير التواصل الاجتماعي في المنطقة وتتحول إلى رمز للسيدة التسعينية النابضة بالشباب.
اقرؤوا أيضاً: سمية رضا تكشف تفاصيل رحلتها الفنية على غلاف هاربرز بازار السعودية
تصوير: رافاييل مارون. تنسيق الإطلالات: آنا كاستان. بقلم: كاتيا فورمان. رئيسة التحرير: أوليفيا فيليبس. تصفيف الشعر: أناستازيا تيموتي مكياج: والتر دونيشير. مسؤول الإنتاج: ستيف هوكر. المنتج التنفيذي: جون-مارك موندوليه. مساعدة تنسيق الإطلالات: سميرة كنعان. مساعدة إنتاج: نويمي دوفيفر